27‏/05‏/2011

الدستور أولا ..... وهل قلنا آخرا ؟؟

الدستور ببساطة هو مجموعة من المبادئ يتوافق عليها الناس فى بلد من أجل أن تكون اللب الرئيسي لنظامه القانوني وذلك لضمان حياة فضلي فى هذا البلد وتوافق كافة أفراده على مبادئ يشتركون فيها جميعا ويضغطون دائما لتحقيقها مهما اختلفت توجهاتهم ونظراتهم فيما سواها ، مما يضمن تماسك المجتمعات و يفتح الباب لاختلاف مثمر بين الناس جميعا يصب فى صالح البلد ، كما يحدد سلطات الهيئات الحكومة لضمان عدم تغوُّلها على حساب المحكومين وقهرهم بها ، كما يحدد حقوق المحكومين العامة وواجباتهم الأساسية .


وبالطبع لم ينبثق اختراع عظيم مثل الدساتير وكتابتها وصياغتها بالشكل الحديث إلا من رحم معاناة بشرية طويلة مع الحروب الأهلية والطغيان والاستبداد سالت فيها الدماء أنهارا ، وديست المبادئ السامية تحت سنابك العسكر ، وتوجر بالدين وفسر على أهواء أعداد لا تحصى من أسافل الحكام وحاشياتهم من كهنة السوء و عبيد المال والجاه .


لكن نظرا لأن الطغيان لن ينتهي أبدا فهو متأصل فى الطبيعة البشرية ، فقد التف المستبدون كثيرا على الدساتير وفسروها على هواهم ، و دائما ما استعانوا بجيوش من المرتزقة وعبيد السلطان ممن يسمون : ( ترزية الدساتير والقوانين ) ، والذين يفصلون الدستور على مقاس الرئيس وابن الرئيس و مرات الرئيس واستبداد الرئيس و عصابة الرئيس و اللى يتشدد للرئيس ! .


عندك مثلا الدساتير فى البلاد العربية ، فتجد أكثرها من كثرة القص واللزق و التحزيق والتلزيق و التذويق والمط والمزق .. الخ قد أصبحت أشبه بخرقة بالية تغطي بعد جسد الأنظمة المستبدة العاري مع تعمد واضح لترك شبابيك مفتوحة المصراعين تماما على أماكن العورات ! .


ولذا ، فكان بديهيا أن يكون من المطالب الجوهرية لثورة 25 يناير المجيدة هو التخلص من الدستور القائم " اللى اشتكي " من كثرة ما لعب فيه مفيد شهاب وشركاه ، ومن الاستفتاءات المزورة والمخادعة التى تكذب على إرادة الأمة لتمرير رغبات النظام ، ومن الصلاحيات الفرعونية شبه الإلهية للرئيس  .. بل حتى بعض الجوانب النيرة فى الدستور كانت دائما محل النسيان و" التنفيض " من قبل النظام ! .


والحمد لله بعد يومين من تنحى مبارك ، أسقط المجلس العسكري - الذى أسلمته الثورة مفاتيح قيادة عربة مصر " المضحضحة " فى فترة النقاهة الانتقالية بعد جراحة الثورة الخطيرة - نادى ترزية القوانين و المجرمين تحت الحصانة والمسمي زورا وبهتانا بمجلس الشعب والشوري ، وكذلك عطل العمل بالدستور القائم تمهيدا لإنشاء واحد جديد " على نضافة " على مقاس مصر الثورة وآمالها العريضة و طموحات شعبها العظيم .


ثم قام المجلس العسكري بتشكيل لجنة دستورية لتعديل بعض المواد فى الدستور المعطل لتفتح المجال لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة ، ومن أجل وضع تصور لكيفية إنشاء الدستور الجديد البديل عن القديم المعطل ـ وبالطبع سارعت بعض الأصوات النشاز للتشكيك فى اللجنة لأن رئيسها محسوب على الإسلاميين و لتواجد عضو من جماعة الإخوان المسلمين هو المحامي والقانوني الشهير الأستاذ صبحي صالح فيها ، ولكن دعونا من هذه النقطة فلها حديث آخر -  ..... المهم أتمـَّت اللجنة عملها وعدلت بضعة مواد ، وقامت بإضافة مادة هي 189 مكرر و مكرر 1 ، هدفها وضع برنامج عملي واقعي لوضع هذا الدستور الجديد يتضمن إجراء انتخابات برلمانية خلال شهور ، ثم يقوم البرلمان المنتخب انتخابا حرا مباشرا نزيها من الشعب باختيار لجنة من 100 فرد لوضع الدستور الجديد ، ثم يستفتى الشعب عليه لضمان أن يكون معبرا تماما عن رغبة الشعب المصري .


 حدثت حالة من الجدل حول هذه التعديلات خاصة فى الأسبوع السابق لاستفتاء 19 مارس 2011 عليها ، ظهر فيها تباين الناس بين مؤيد ومعارض ، لكن تبين أكثر مدى رفض الشارع إجمالا للدستور القديم ، فأعلن الجيش أنه بعد الاستفتاء سيصدر إعلانا دستوريا جديدا يسقط السدتور القديم تماما ويتضمن المواد التى عدلتها اللجنة إذا تم الموافقة عليها ، وهذا ما تم َّ فعلا وصوت 77% بنعم ، وأصدر الجيش الإعلان الدستوري متضمنا المواد المعدلة ، مع إيضاح أكثر لصيغها خاصة المادة التى تتضمن ترتيبات إعداد الدستور الجديد لأن البعض شكك فى مدي إلزاميتها بوجوب عمل الدستور الجديد .


إلى هنا وطبقا لأبسط قواعد الديموقراطية ولما احتواه الإعلان الدستوري بفعل نتائج الاستفتاء ، ولما ألزم الجيش به نفسه من سرعة تسليم السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة فى مدة 6 شهور أو لحين إتمام الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، فمعالم المرحلة الانتقالية أصبحت أكثر اتضاحا بإجراء انتخابات برلمانية فى سبتمبر 2011 ( تم التأخير من يونيو ليتسنى للأحزاب الجديدة الاستعداد ومن أجل ترتيبات أخري كمزيد من استعادة الأمن واستقرار الاقتصاد ) ، ثم بعدها بأشهر انتخابات رئاسية ، لكن البرلمان بمجرد تكوينه وبجانب قيامه باختصاصاته الأساسية فى التشريع والرقابة ، فإنه يشكل لجنة المائة بحد زمنى أقصاه 6 أشهر ، لتقوم بوضع الدستور الجديد فى مدة أقصاها 6 أشهر ، وتطلب الاستفتاء عليه خلال 15 يوم على الأكثر بعد الانتهاء ... وبذلك  يكتمل تسليم السلطة ، ويعود الجيش للتفرغ لمهامه الأصلية ، وتكون مصر الثورة يإذن الله قد امتلكت فى أقل من عامين ( على الأكثر ) برلمانا منتخبا و رئيسا منتخبا و دستورا جديدا يلائمها ، وترسخ التحول الديموقراطي فى مصر ، وتبدأ مصر مرحلة البناء الحقيقي والنهضة الفعلية بعد استقرار الأوضاع السياسية .


لكن ظهرت وبضجة عالية ، أصوات كثيرة تطالب بتأجيل الانتخابات البرلمانية بحجج كثيرة جدا ( الأحزاب الجديدة غير مستعدة - الانفلات الأمنى .. الناس ماشية تموت بعضها فى الشارع - الحزب الوطني " المنحل واللى قيادته مشرفة فى طرة " بالفلوس والبلطجية هياخد مقاعد كتيرة أوى - الإخوان قادمووووووووووون !!!! .. ) ، وتطالب بوضع الدستور أولا قبل البرلمان رغم أنف نتيجة الاستفتاء وما أقره الإعلان الدستوري وفقا لها من برنامج للفترة الانتقالية ذكرته آنفا .

ما يحرق دمي أنهم يدًّعون حرصهم على وضع دستور يناسب مصر الثورة ويحفظ مكتسباتها .. وهل أنكرنا هذا ؟؟ ، بل إنه مطلب للجميع ، لكن الخلاف معهم فى تمسكنا بالبرنامج الذى وافق عليه الشعب فى الاستفتاء وأقره المجلس العسكري فى الإعلان الدستوري والذى نراه الأكثر واقعية والأسلم لمصر أيضا ، ولهذا الموقف أعدد 10 أسباب :

1- وهذا الأهم ... أنه اختيار وافق عليه 14 مليونا فى أول استفتاء حر ونزيه فى تاريخ مصر ، فإذا كنا نريد ترسيخ البناء الديموقراطي فى مصر الثورة ، فهل يصح أن نبدأ العهد الجديد بمحاولة إسقاط خيار الناس فى الاستفتاء من أجل أي رؤية مخالفة مهما كان نبل غاياتها ؟؟؟ ...... لو فتحنا الباب أمام كسر الاختيارات الديموقراطية فلن ينغلق و لن يكتمل لنا التحول الديموقراطي الذى ننشد لاقدر الله .
2- يدعى البعض أن الإعلان الدستوري الذى وضعه المجلس العسكري بعد الاستفتاء ، هو الذى أسقط إرادة الناس فى الاستفتاء وانقلب عليها ! ، فالاستفتاء كان على 8 مواد ، فى حين تضمن الإعلان 68 مادة ! ، فلم لم يتم الاستفتاء على الـ 60 مادة الباقية ؟؟؟؟ .

طبعا هذا الكلام مردود عليه .. المواد الأخرى فى الإعلان سوي مواد الاستفتاء إما مبادئ عامة موجودة فى أغلب دساتير العالم لإقرار الحريات العامة ..الخ ، أو مواد لشرح سلطات المجلس العسكري فى إدارة الفترة الانتقالية ، أو مبادئ عامة خاصة بمصر مثل موضوع المادة الثانية من الدستور وحدود مصر و ... الخ ، وكل هذه المواد تحمل مبادئ عامة تسترشد بها الفترة الانتقالية ، ولا داعى للاستفتاء عليها ، ومن يريد تغيير شئ منها مثل ( نسبة العمال والفلاحين مثلا .. الخ ) ، فيكون هذا عند وضع الدستور الجديد بإذن الله .

3- من يريدون الدستور أولا لم يحددوا آلية واقعية لاختيار اللجنة التى ستضعه ، بحيث تضمن هذه الآلية أن تكون اللجنة معبرة بشكل حقيقي قدر المستطاع عن رؤية الشعب المصري كله وتوجهاته .. بل وصلت الوقاحة - عذرا - ببعضهم أن يطلب من المجلس العسكري تعيين اللجنة بمعرفته ! .... فى حين أنه فى البرنامج الذى نريد ، فإن الشعب المصري سيختار برلمانا فى انتخابات حرة نزيهة وشفافة ، والشعب المصري يعرف الانتخابات البرلمانية جيدا ، ثم يقوم هذا البرلمان المنتخب بانتخاب اللجنة التى تقوم بإعداد الدستور ، وبعد اكتمال مهامها ، فإنها ستدعو الشعب للاستفتاء عليه .. وهذا التسلسل أراه ضامنا بنسبة كبيرة لتعبير الدستور الجديد عن الشعب المصري بإذن الله .

4- البعض يحاول إفزاعنا بالخراب الاقتصادي والانهيار الأمني ، وادعاء أن أوضاع مصر لاتحتمل انتاخبات برلمانية فى سبتمبر ، مع أنه من الواضح للجميع أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية قد تحسنت كثيرا عند فترة الثورة وما بعدها مباشرة ، والبورصة عادت للعمل بقوة ، والسياحة تعود تدريجيا ، والمظاهرات والاعتصامات الفئوية المعطلة للإنتاج خفـَّــت حدَّتها .. الخ ... حسبي الله ونعم الوكيل فى الإرهابيين الذين يريدون إرعاب الشعب وقهره على ما يريدون .
5- رائحة الذعر من تفوق الإخوان وحزبهم فى الانتخابات البرلمانية تزكم الأنوف .. وأنا لست على استعداد لقبول تأخير التحول الديموقراطي فى مصر من أجل ذعر البعض من الإسلاميين ، هذا قدمة الأنانية ، وعلي هؤلاء بدل من محاولات الالتفاف على خيارنا ، أن يبذلوا مزيدا من الجهد فى المذاكرة من أجل منافسة الطالب الدحيح بدلا من المطالبة بتأجيل الامتحان .... أو دعوة ربنا إن المدرسة تولع عشان ما نروحش الامتحان ! ..... ( الإخوان أبدوا كامل استعدادهم للتفاهم مع كافة قوي الثورة للدخول بقائمة موحدة للثورة لضمان تمثيل الجميع فى البرلمان..... فى هذه .. عدَّاهم العيب !! ) .

6- نحن الآن فى فترة شك وعدم وضوح كامل الرؤية.. الخ ، ومن يحكمون مصر الآن  فى أغلبهم ليسوا من جموع الثائرين ، وإن وقفوا مع الثورة و حققوا أبرز مطالبها وتعهدوا بإيصالها لبر الأمان ... إذن فالثورة الآن فى يد غير ثورية ... أليس من الأفضل تسليمها لقوى الثورة بانتخابات حرة نزيهة فى أقرب فرصة لضمان تسريع تحقيق مكاسب الثورة ؟؟

7- كل استحقاق ديموقراطي ننتزعه ، يقربنا من مصر التى نريدها بإذن الله ، ويبدد أوهاملا البعض عن رغبة الجيش فى الانفراد بالسلطة وإعادة الحكم العسكري كما حدث بعد انقلاب 1952 ، فالإسراع بالانتخابات البرلمانية الآن مكسب للجميع .

8- يشتكي البعض من عدم رضاهم على القوانين التى يشرعها المجلس العسكري ... فأيهما أقدر على وضع القوانين التى تعبر عن الشعب؟؟ .. المجلس العسكري أم برلمان منتخب بشكل حر ونزيه ؟؟

9- يقولون أن الشعب جاهل ومش عارف مصلحته ، وسيتم الضحك عليه وخداعه باسم الدين و ...و .. الخ ، ولابد من تأخير الانتخابات لحين استعداد الشعب للديموقراطية ؟؟؟؟ ...... اللهم احشر من يقولون هذا مع عمر سليمان ! .
لا سماح باحتقار البعض للشعب المصري ، ولا ينبغى أن يفقده البعض الأهلية السياسية ، فهذا الشعب على ما مر به من محن وما عناه من تجهيل وفقر .. الخ ، شعب ذكي و يستطيع التمييز .
وأي عيوب أو أخطاء سيتم معالجتها بالتدريب الفعلي وبالممارسات الديموقراطية المتعاقبة ... إنما العلم بالتعلم .

نقطة أن الشعب ينخدع تماما بأية شعارات دينية مردود عليها بمثال بسيط ... يوم جمعة الزحف 11 فبراير كان حوالى 15 مليون مصري فى الشارع يطالبون برحيل مبارك ، رغم معارضة المؤسستين الدينيتين الرسميتين فى مصر لذلك ، وتردد كثير من علماء الدين من غيرهما فى دعم الثورة دعما مطلقا ، بل إن بعض العلماء كانوا يقولون أنها فتنة وخروج على الحاكم الشرعي .. الخ ..... فهل هذا شعب يساق بأي كلام فى الدين ؟؟؟؟؟ .


10- من يريدون عمل انتخابات مباشرة لاختيار اللجنة التأسيسية الآن - طبعا هذا يخالف ما وافق عليه الشعب فى الاستفتاء كما وضحت آنفا - يدركون وندرك كمية الصعوبات الإجرائية فى هذا ، إذ كيف لجموع الشعب المصري بما فيها شديدي الثقافة أن تختار مائة اسم من مئات ، أو حتى 50 ؟؟ ... وهل الأمن والاقتصاد " المنهارين " لا يسمحان بحدوث انتخابات برلمانية ، ويسمحان بانتخابات لجنة تأسيسية ؟؟؟؟ .

اللهم وفق مصرنا لما فيه الخير والسلامة .. وأتمم علينا ثورتنا كما يحب ويرضى سبحانه وتعالى .



08‏/05‏/2011

أنا عندى فتنة .... ساعة تروح .. وساعة تيجى !

كفوا عن النظرة المثالية يا جماعة ! .... عقود استبداد مبارك ومن قبله ، سايبالنا خازوق مغرى تحت كل شبر من أرض مصر المحروسة ، والخوازيق من كافة الأنواع والأشكال ... اقتصادي تلاقى .. سياسي موجود .. اجتماعى ما تعدش ! ....... دينى - وهو الأخطر - كثيييير للأسف الشديد .

لكن قبل أن نلقى باللائمة على الشماعة الجاهزة حاليا : ( النظام السابق - الفلول - الأجندات - المؤامرات التى تحاك " ما عرفش عند أنهو ترزي بالضبط " - العدو الصهيوني ..... الخ ) ، وهي بالتأكيد تساهم فى انفجار الأوضاع الطائفية فى مصر ، لكن المتهم الرئيسي فى الأحداث هو المزيج الفريد الذى انغرس فى نفوس الكثيرين منا بسبب عقود التجهيل والاستبداد ، وهو مخلوط التعصب الكروي للدين مع عدم الالتزام بكثير من آدابه وأخلاقه وقواعده خاصة ما يتعلق بأدب الاختلاف ، مضافا إليه الجهل المركب + الحماقة ، مع بعض تحابيش من الغباء و النظرة الضيقة و " البص تحت الرجلين " ! .

كانت الأوضاع الدينية فى مصر مكهربة فعلا فى العهد البائد  .. كان النظام يعيش و يقنع الغرب وأمريكا بأهمية وجودها مستخدما فزاعة الإسلاميين ، خاصة من يعملون بالسياسة منهم ( الإخوان ) ، وحتى الكثير من الأنشطة الدعوية والخيرية كان يضيق عليها بشدة خوفا من أن تكسب الإسلاميين شعبية فى الشارع ، وإذا سمح لبعضهم بالحركة قليلا ، فيكون هذا فى إطار محدد ، ومن أجل ضرب الإسلاميين ببعض و سحب البساط من تحت من يخاف منهم واستبدالهم بمن يعتقد أنهم أخف خطرا على بقاء النظام .

ورغم أن النظام السابق كان يوحد المصريين جميعا على خازوق استبدادي توريثى سلطوي واحد ، فإن الاضطهاد المبالغ فيه للإسلاميين ، أشعر الكثير من مسلمي مصر بدرجة أعلى من القهر الزائد ، مما زاد من نسب التعصب فى أوساط المسلمين ، خاصة مع تراخى النظام وميوعة التى تثير الشكوك - فى السنوات الاخيرة تحديدا - مع بعض ممارسات الكنيسة المصرية ومنها على سبيل المقال لا الحصر : قضية وفاء قسطنطين وغيرها ،و كذلك عدم عقابها بالشلح الكنسي لبعض من يتطاولون على الإسلام مثل زكريا بطرس .. الخ ، وكذلك تصريحات مستفزة مثل تصريح الضيوف المشهور للأنبا بيشوي .

 والأخطر فى رأيى كان إعلان الكنيسة منذ عدة سنوات دعمها لمبارك و تأييدها له لأنه - على حد قوله - يضمن الحفاظ على مصالح المسيحيين ( وكأنهم من بعده سيتم تقتيلهم تقتيل السنين ! وسيسيطر تنظيم القاعدة و " الواقفة " على مصر ) ... فزادت الفجوة بين المسلمين والمسيحيين ، وبدوا وكأنهم خارج الجماعة الوطنية الرافضة لنظام مبارك و ممارساته ، وتجلي ذلك أيضا فى دعوة الكنيسة يوم 27 يناير لعدم المشاركة فى المظاهرات .... لكن ولله الحمد ، فقد كسر المصريون جميعا القيود ، و " نفـَّــضوا " لمحاولات النظام استخدام الدين لتثبيط همتهم وإجهاض الثورة ، فكانت جمعة الغضب بملايينها الثمانية وواصلت الثورة مسيرتها ورأينا مشاهد التوحد المذهلة فى التحرير و غيره ، ورأينا المسيحيين الذين يحمون المسلمين فى صلاتهم ، ورأينا العكس ، ورأينا كذلك أحد الشبان المسيحيين يرفع لافتة تقول : أنا هنا فى التحرير غصب عنك يا شـ ........ احم احم ...... وحققت الثورة أهم أهدافها وكشفت عن بقايا المعدن الأصيل فى نفوس المصريين .

الخلاصة .. كان الاحتقان سائدا فى الفترة الأخيرة قبل الثورة ، خاصة أن الكثير من الكبت الاجتماعي والاقتصادي والسياسي و حتى الجنسي .. الخ كان يتم ترجمته بميكانيزم لا أفهمها إلى احتقان طائفي !! ، وهذا بالطبع بجانب الأسباب الطائفية الفعلية ... لكن أكثر ما يحرق دمي فعلا حتى التفحم - ويمكن إدراجها تحت بند الكبت العاطفي والجنسي - ، هو أن أغلب المشاكل الطائفية الكبيرة فى السنوات الأخيرة كانت تتم على النحو التالي : واد مسلم سارح مع بت مسيحية وبيحبوا بعض ، وعايزين يتجوزوا ، وغالبا أهل البنت هيرفضوا ، فالبنت تهرب مع الواد ، فيقوم أهلها يصرخوا : المسلمين خطفوا بنتنا عشان تخش الإسلام ! ..... والعكس كذلك يحدث .
والأسوأ عندما حدثت اشتباكات طائفية بسبب حادثة اغتصاب طفلة " مسلمة " على يد شاب " مسيحي " ( يعنى لو كان مسلم مثلا كان ممكن نسمع أصوات تقول : مش مشكلة ، ابن دينها ماشى !!!! ، لكن المسيحي لأ ! ) ،

ختاما .. بعض المقترحات المتواضعة للقضاء على أسباب الفتنة الطائفية فى مصر من جذورها بدلا من شغل " المَرْهَمَة " ، و " مسلم ومسيحى ايد واحدة " ، و " الشيخ والقسيس وابتسامة التسامح البلهاء ! " ... الخ .. كفانا علاجات موضوعية .

1- استكمال مسيرة الثورة المصرية العظيمة ، والارتقاء بالأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية ..الخ للتخلص من البيئة المفرزة للكبت و التعصب .


2- نشر التدين فى ربوع مصر ، مع التدرب على تقديس آداب الاختلاف من المهد إلى اللحد ، وبيئة مصر ونفسيتها خاصة بعد الثورة ، ممهدة لتقبل ونشر التدين الوسطي العقلاني غير المتشنج و الذي يهتم بإعمار البلد و إعلاء مقدراتها فى الداخل والخارج و ينأي بنفسه عن التقوقع والانعزالية و .. للعلم .. معظم من ينجروا إلى الاشتباكات الطائفية غير متدينين ، وتعصبهم للدين يشبه التعصب للأهلي والزمالك ، وبعضهم لا يصلى أساسا ! ، ويعتقد أن تعصبه تجاه الآخر تكفير عن ذنوبه وتقصيره فى الدين .
الدعوة لتقليص دور الدين وإبعاده عن واجهة الحياة العامة باسم الحفاظ على الوحدة الوطنية كارثة كبري تزيد النار اشتعالا وتعطى المبررات للمتعصبين .

3- مشاريع قومية عاجلة يلتف حولها المصريون جميعا ...... " الفضا وحش بعيد عنكم ! " .

4- الإقرار بوجود احتقان طائفي حقيقي فى مصر بدلا من الهرب من مواجهة الواقع بلكلام المعسول ، قضية مثل قضية كاميليا شحاته التى تنذر بتفجير مصر ، يمكن حلها فى 5 دقائق على الهوا على التلفزيون المصري تعلن فيها كاميليا هل هي مسلمة أم لا لتريح الجميع ، ويتم بالقانون محاسبة كل من أخطأ وتسبب فى تفجير هذا الموضوع وإشعال بلد كاملة من أجل قضية قد تكون " فكسانة " ! ....... بالمناسبة ، ظهور كاميليا على شاشة قناة معروفة بتعصبها وإهانتها للمسلمين وهناك علامات استفهام على توجهاتها ، يزيد الموضوع اشتعالا وليس العكس .


5- حلول عاجلة للمشاكل الخطيرة فى المناطق الشعبية والعشوائية والمهمشة ، لأنها قنبلة موقوتة للتعصب والاحتقانات  والانفجارات ... راجعوا أحداث المقطم بعد الثورة ، وكذلك أحداث إمبابة اليوم .

6- قوانين صارمة تحمي الحق فى التدين ، وتعاقب بالعقوبات المغلظة من يكره أحدا على اقتناع دين معين ، أو من يهينون المقدسات ، ومن يحرضون على الآخر .

7- تحييد الدين تماما عن أية دعايات انتخابية ، دور العبادة لابد أن يكون لها أدوار هامة فى دعم مصر الثورة روحيا و دينيا وثقافيا واجتماعيا .. الخ ، وفى السياسة كذلك ، لكن يقتصر دورها على الدعوة العامة للإيجابية السياسية والمشاركة فى بناء الوطن .. الخ ، أما أن تستخدم منابرها للتفزيع من أن اختيار كذا سيأتى بالناس الفلانية ، وواجب شرعي أن تختاروا كذا ..... أو إن لم تختر كذا ، فأنت ضد الدين و تنصر أعداء الدين ..... الخ .

8- اقتلاع منظومة التعليم فى مصر من جذورها لأنها تنتج طاقة نيوترونية جبارة من الغباء و الجهل .... واستبدالها بمنظمة تبنى شخصية مصرية سوية تتعلم ما يفيد من كافة فروع العلم ، والأهم فى رأيى أن تتشرب الالتزام بالأخلاق الرفيعة ، وتعرف جيدا أن التدين الحقيقي شئ ...... والتعصب شئ آخر مذموم ، والتدريب على تقبل الاختلاف من سنة أولي .

9- ترسيخ مبدأ سيادة القانون على الجميع ، لا أحد فوق المساءلة .

10- لو عالم عبقري يخترع لنا دوا ضد الحماقة و غياب التفكير فى الأولويات يبقى جزاه الله كل خير .

بعد عمل ما سبق وغيره .. الدعاء و الابتهال إلى الله أن يحفظ مصر وثورتها وشعبها ، فكل الشرفاء و الأحرار فى العالم ينتظرون بأحر من الجمر تعافى المارد المصري .... وكذلك كل صهاينة العالم ومفسديه يتربصون بمصر الدوائر ..... اللهم اجعل عليهم دائرة السوء و وفقنا إلى ما تحبه وترضاه

05‏/05‏/2011

نحن و هم

كلما شاهدت مناظر الجموع الثائرة التى تشق هتافاتها وجه السماء ، وقد تزينت بهم شوارع أمتنا فى واحد من أجمل الأعراس فى تاريخها وهو عـُــرس " الثورة والحرية 2011 م " .. أجدني أردد البيتين الذى قالهما الشاعر تميم البرغوثي /


فإذا ما أبصرتُ أوجـُـهـَـكـُـم ـــــــــــ رأيتُ وجهَ الظلامِ مرتعدا
فالصبحُ مولودُكم ووالدُكـــم ــــــــــــ أكرِم به والدا وما ولـــــــدا


لقد كنت قبلها أنعى حظي العاثر لكوني نشأت فى أسوأ عصور التخلف والفساد والاستبداد فى تاريخ أمتنا ، فالحمد لله الذى اصطفانى و كل جيلى لمشاهدة لحظة بعث أمتنا من رقادها ، وسنراها بإذن الله وهي تنتزع موقعها فى القمة بعد إقصاء دام لقرون .

************************************************************************


لقد فقدت أمتنا رشدها تدريجيا على مر العصور ، وانطمس بريقها مع ظهور الحكم العضوض وتشرب النفوس للأهواء ، و غياب الشوري و اهتزاز منظومة العدل ، وتأخر الأخذ بأسباب الدنيا وانكماش دور العقل والتفكير فى مقابل الحفظ والتلقي و ... و .. الخ ، فدخلت أمتنا فى حلقة مفرغة من الفساد والتخلف بالأخص فى الـ 3 قرون الأخيرة ، وتزامن هذا مع بزوغ شمس النهضة الحضارية والعلمية فى أوروبا و غيرها ، مما أعلى كعبهم على كعب أمتنا ، فكانت عصور الاستعمار المريرة التى دفعنا فيها فاتورة التأخر والتخلف .


وبعد أن ثارت شعوب أمتنا فى منتصف القرن العشرين ضد مستعمريها ، وقدمت الشهداؤ بالملايين فى سبيل حريتها ، لم يرحلْ المحتل الأجنبي إلا وقد ترك وراءه استعمارا داخليا أفجر منه فتكا وأشد وبيلا .


لقد هيمنت على كراسي الحكم فى دول أمتنا الممزفة إما حكومات عسكرية انقلابية تحكم بالحديد والنار باسم شرعية الثورة والتحرر من الاستعمار ، أو حكومات أسرية تتحكم فيها عائلة يعد أفرادها بالمئات فى مصائر الملايين ... وهكذا ازداد حال أفراد أمتنا سوءا عن أيام الاستعمار ، وغابت الحرية والكرامة و الديموقراطية والعدالة ... ورا الشمس .


وبالطبع كان الغرب المتجبر و أمريكا راضين عن هذا الاستعمار الداخلي الذى يجنبهم مكابدة خسائر الاستعمار المباشر لنا ، وفى نفس الوقت يحقق لهم مصالحهم وأكثر ، ولا تسأل عن شعاراتهم الرنانة عن الحرية و الديموقراطية ... فهي حلال لهم ولشعوبهم ، حرام علينا .


خذ كمثال ، الثورة الفرنسية التى دعت إلى الحرية والإخاء والمساواة .. ماذا جنت منها شعوب الأرض ؟؟
لقد انطلقت بعدها من فرنسا الحملات الاستعمارية الإجرامية لتحرق وتسرق ثروات الشعوب ، خاصة فى بلاد أمتنا وفى مناطق أخري فى العالم ... فالحرية والإخاء والمساواة لهم فقط ، ليتقدموا فى ظلها ويمتلكوا أسباب القوة ، أما نحن ، فلابد أن نظل متخلفين مظلومين ، يستبد بنا كلابهم ، وذلك لضمان مصالحهم التى يسبحون بحمدها آناء الليل وأطراف النهار .


**************************************************************************


ثقوا جميعا ونحن فى ربيع الثورة العربية العظيمة أننا - بإذن الله - عائدون ، وحضارتهم التى انبهرنا بها ( وللأمانة ... بها الكثير مما يستحق الانبهار ) سنبنى خيرا منها .


وسنجدد تميزنا القديم فى أننا - على الرغم من بعض الاستثناءات - حضارة الأخلاق والتسامح ... سنتحرر كما تحرروا ، وسنبنى كما بنوا ، وسنعمر كما عمروا ، وسندهس الفساد والاستبداد الداخليين ونقيم دولة العدل و القانون كما فعلوا ....الخ ، لكن سنسبقهم بمخزوننا العقائدي النبيل الذى يروى الروح و يرتقى بالمادة ، وبرداء الأخلاق البديع الذى سيلف بنيان حضارتنا فيزيده جمالا على جمال .
 وبالطبع لن تنسى أمتنا الثائرة ثأرها مع من سرقوا أحلامنا لقرون ، ومن قصفوا مدننا بالطائرات والصواريخ ، ومن جوعوا الشعوب النامية لتتمدد امبراطورياتهم الاقتصادية من قوتها ، ومن أنشأوا مؤسسات التآمر و إشعال الفتن فى أرضنا ، و من ... ومن ... ومن .... الخ .


لقد فرضت هذه الثورات النبيلة انتهاء فصل :" المفعول به " في تاريخ أمتنا ، وآن - بحمد الله - أوان قلب الصفحة ، لنكتب فى أخري ناصعة البياض :


بسم الله الرحمن الرحيم

فصل :" الفاعل "

.....................................................................................................................................................................
.......................................................................... .