20‏/06‏/2011

مما قرأت (1) ......... الأساطير المؤسـِـسـَّــة للسياسة الاسرائيلية // روجيه جارودي



الكتاب يقع فى أكثر من ثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط ، ومترجم من اللغة الفرنسية ، وهو من طباعة دار الشروق ، وتقديم الأستاذ / محمد حسنين هيكل .


الكاتب  هو الكاتب الفرنسي روجيه جارودي ، من مواليد فرنسا 1913 ، وقد أسلم فى عام 1982 و سمـَّى نفسـَــه : رجاء جارودي ، وقد ألـَّف هذا الكتاب فى أوائل التسعينات ، و كان الكاتب دائم الصدام مع جماعات النفوذ الصهيوني فى فرنسا نظرا لانتقاده الدائم لاسرائيل ومجازرها ، وكان إصدار هذا الكتاب الذى شكك فى الكثير من الخرافات الصهيونية مصدرا للغضب الشديد عليه من الصهاينة ، فضغطوا على دور النشر المعروفة فى فرنسا والتى كانت تتعامل دائما مع الكاتب من أجل عدم نشر الكتاب ، وبالفعل لم يتمكن من نشره فى فرنسا - بلد الحرية و النور - ! ، بل و عرض على المحكمة فى عام 1988 بتهمة التشكيك فى المحرقة النازية !! ...... لمزيد من المعلومات عن الكاتب :   رجاء جارودي .


أهم ما ورد فى الكتاب قى نقاط سريعة :

1- يهدم الكتاب بالأدلة و الأسانيد المنطقية التى يفهمها أي إنسان ، كافة الأساطير التى برَّرَت إنشاء الكيان الصهيوني ، والتى خدع بها الصهاينة الشعب اليهودي وحشروا الملايين منه فى الفخ الجغرافى المسمى اسرائيل ، كما خدعت بها الحكومات الغربية شعوبها لتبرير مساعداتها الغير محدودة ودعمها اللا متناهي لإسرائيل ، وهذه الأساطير هي : ( أسطورة أرض الميعاد - أرض بلا شعب لشعب بلا أرض - أسطورة الشعب اليهودي المختار - أسطورة الـ 6 ملايين يهودى ضحايا المحرقة النارية ) ، كما خصـَّـص جزءا مهما من الكتاب لبيان كيفية تحكم الصهاينة من خلال جماعات الضغط التابعة لهم فى توجيه دفـَّـة السياسات الأمريكية والأوروبية لصالحهم .


2- حرص الكاتب على استخدام التعبير الفرنسي الذى يعنى " خرافة " بلا من التعبير الذى يعنى " أسطورة " طوال الكتاب ، وذلك لأن الأسطورة قد يكون لها أساس من الواقع ، أما الخرافة فلا أساس لها بتاتا .


3- بالنسبة لأساطير أرض الميعاد و الشعب المختار ، و التى اعتمد الصهاينة على تفسيرات معينة لنصوص التوراة من أجل ترويجها ، فقد فنـَّــدَها الكاتب بمنطق شديد و أسلوب علمي رصين يثبت أنها كانت تأويلات بعيدة أخـَـلـَّــت بالنصوص .


4- و أسطورة " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " والتى يدعى فيها الصهاينة أن الهجرات اليهودية الحديثة جاءت إلى فلسطين فوجدتها خرابا خالية فعمًّروها وأنشأوا دولة اسرائيل !! ، فأثبت الكاتب أن فلسطين كان بها شعب زارع صانع كان يعمـِّـرها قبل قدوم اليهود ، ومن الأمثلة التى ضربها أنه فى مطلع القرن العشرين كانت صادرات الخضروات من أرض فلسطين ذات الأغلبية العربية فى حينه ، كان تفوق صادرات الولايات المتحدة منها !! .


5- فى التعليق على المحرقة النازية ، بدأ الكاتب ببيان أن النازية كانت شرا مستطيرا على البشرية كلها ، وأن الحرب العالمية التى أشعلوها سببت وفاة ما يقارب الـ 55 مليون إنسان .. ومن هؤلاء الذين أضيروا من هذه الحرب المجنونة ، اليهود خاصة فى شرق ووسط أوروبا ... فالكاتب المـُـنصـِـف لم ينكرْ معاناة اليهود ، لكنه استنكر الآتي :


   

  * محاولة اليهود الاستئثار بوصف " الضحية " ، و كأن النازية لم تضر سواهم .

     
* أنكر الكاتب إغفال تضحيات الشعوب الأخري الجسيمة فى مقابل تضحيات اليهود ، فشعوب العرق السلافي فى روسيا و صربيا                        و سواها سقط لها ما يقارب الـ 25 مليون قتيل فى هذه الحرب !! ، فى حين أن الكاتب بالأدلة العلمية أثبت أن ضحايا اليهود إجمالا فى الحرب بين الـ 800 ألف و الـ 1.2 مليون .

   
  * يتساءل الكاتب .. كيف يمكن أن نصدق أن هتلر أمر بحرق اليهود فى كافة أرجاء الدول الخاضعة لسيطرته ونحن لم نجد أية وثيقة رسمية أو أمر كتابيَ منه أو من قادته الكبار بهذا الشأن الضخم ؟؟؟ .. وهل حرق الملايين فى أفران غاز ضخمة يمكن أن يكون بواسطة أمر شفهي ؟؟؟ .. بل لقد تم العثور على أوراق خطة أولية نازية لنقل - وليس حرق - جميع اليهود إلى جزيرة مدغشقر المعزولة  ، لكن تعذَّرَ تنفيذ الخطة بسبب المصاعب الحربية على ألمانيا فى السنوات الأخيرة من الحرب .

   
 * يؤكد الكاتب بالأدلة على أنَّه لم يتم العثور على غرفة غاز واحدة فى أي من معسكرات تجميع اليهود التى أقامها النازيون تصلح لأن نعتقد أنه كان يتم فيها فعلا حرق اليهود ، حتى معسكر " أوشفيتز " الشهير والذى كان مكتوب على لوحته التذكارية بعد الحرب : هنا قتل 4 ملايين يهودي !! ... وتم تغييرها الآن إلى : هنا قتل اكثر من مليون يهودي .

   
 * استنكر الكاتب ابتزاز الصهاينة لشعوب أوروبا خاصة ألمانيا و النمسا انطلاقا من عقدة الشعور بالذنب و تأنيب الضمير عندهم بسبب جرائم النازية ، وحصول الصهاينة على تعويضات مادية هائلة ساهمت فى بناء إسرائيل وشراء السلاح لها من تهجير وقتل الفلسطينين و إقامة الدولة اليهودية المزعومة .

   
  * هناك أدلة كثيرة تفصيلية فنـَّــدَ بها الكاتب المبالغات الصهيونية فى المحرقة يتعذَّر نقلها هنا و الأفضل طبعا قراءتها من الكتاب الرائع .

     
* يذكر الكاتب أن جريمة هتلر ونظامه ضد اليهود هي جمعه لهم و لغيرهم فى معسكرات للعمل الشاق فى مصانعه الحربية و سواها من اجل دعم المجهود الحربي النازي ، فمات الآلاف فى هذه المعسكرات بسبب ظروف العمل الشاقة و الغير إنسانية ، ويرى الكاتب أن هذا التفسير لنسبة كبيرة من ضحايا اليهودهو تفسير عقلاني .. فلماذا يحرقهم أحياء و يتكلف مبالغ طائلة فى معدات الحرق و خاماته ؟؟؟؟ الأفضل له استخدامهم لخدمته كعمالة رخيصة ! .

   


6- بيـَّن الكاتب وجود جماعات ضغط صهيونية فى البلاد الغربية الكبري ، تعتمد على الإعلام و الاقتصاد فى ترويج ما تشاء و فى التنطيل بخصوم الصهيونية ... يذكر الكاتب أمثلة عديدة منها : أنه عندما أراد و مجموعة من المفكرين والشخصيات العامة تنزيل بيان فى الجرائد الفرنسية الكبري لاستهجان مذبحة صبرا و شاتيلا 1982 فى لبنان ، فإنه بضغط النفوذ الصهيوني تم رفض طلبهم من كافة الجرائد ما عدا جريدة " لو موند " والتى وافقت بصعوبة على نشره فى صفحة داخلية .. ولم يسلمْرئيس تحرير الجريدة من الانتقاد الصهيوني الشر ضده .


7- من المفارقات المضحكة ما ذكره الكاتب من أنه فى آخر الحرب العالمية الثانية كان هناك ازمة فى السلع الأساسية فى ألمانيا ومنها الصابون ، فأنشات ألمانيا خطوط إنتاج حكومية لزيادة إنتاج الصابون ، و كان مطبوعا على الصابون المنتج منها شعار من 3 أحرف هو اختصار جملة : إدارة الرايخ للمواد التموينية الدهنية  RJF ، فقام أحد الصهاينة المتحذلقين بترويج إشاعة تلقـَّـفها الكثيرون أن الكلمة اختصار لعبارة تعنى بالعربية : " دهن يهودي صاف " ! .. أي أن النازيين بعد حرق اليهود أحياء كان يستخدمون دهون أجسادهم فى صناعة الصابون لإرضائهم شعبهم الكاره لليهود !! .


8- يذكر الكاتب معلومتين خطيرتين عن النازيين لم أعرفهما من قبل :


    * أن بعض الشركات الأمريكية و الأوروبية من أجل تحقيق مكاسب مادية لها قد ساهمت بدور كبير فى إعادة تسليح ألمانيا الهتلرية فى الثلاثينات ( بعد أن تم تحجيم قواتها العسكرية بعد خسارتها الحرب العالمية الأولي ) !!
    * كان هناك تعاون بين بعض الصهاينة والحكومة النازية نظرا لالتقاء مصالحهم .. حيث يريد النازيون التخلص من اليهود ، فيتلقفهم النازيون و ينقلونهم إلى أرض فلسطين " الموعودة " ! ، وواصل النازيون دعمهم هذا حتى فى أثناء الحرب العالمية الثانية رغم موت مئات الآلاف من اليهود على يد الآلة العسكرية النازية الباطشة ، فقد كان الصهاينة حريصون فقط على انتقاء اليهود النافعين لاسرائيل ( صناع - رجال أعمال - علماء - صحفيون .. الخ ) ، أما الفقراء و العجزة والمساكين .. الخ ....... فليذهبوا إلى الجحيم ! .




خاتمة : الكتاب رائع جدا و مكتظ بالمعلومات القيمة و أنصح الجميع بقراءته .

لتحميل الكتاب :  من هنا .


10‏/06‏/2011

عن الليبرالية والإسلام (2) ................... الــلــــــــــــــــه

بداية ً .. هناك توضيحان هامـَّـان :


1- لا تقتصر السلسلة - كما قد يوحي اسمها - على الجدال الفكري ، إنما ستخوض بالطبع فى تطبيقات كل فكرة على أرض الواقع ، فخصيصا بعد الثورة  جاء وقت الأفعال والتطبيقات ولا وقت للإسراف فى الأقوال والتنظيرات .


2- هذه المرة وأنا سأتحدث عن الله سبحانه وتعالى من منطلق الحديث عن الليبرالية والإسلام ، فسأستبعد فئتين من الناس من الحديث لعدم مناسبته لهم :


- الملحدين الذين ينكرون وجود الله ! .
- المتشددين الذين يعتبرون رأيهم الخاص فى كل كبيرة وصغيرة هو رأي الله وينصبون أنفسهم متحدثين حصريين باسم رب العالمين .


كلا هذين التطرفين لاأرى أنه يمكن الوصول معهم على أرضية مشتركة إلا بإلزامهم قانونيا ومجتمعيا بعدم سب الأديان والمقدسات  ، وعدم رفع السلاح لحمل المجتمع على أهوائهم .... وإلا ..... فالمحاكم لهم بالمرصاد .
قد يمكن الحوار معهم ومناظرتهم ومجادلتهم ومراجعتهم فكريا .. لكن أتوقع - والله أعلم - أن أغلبهم لن يستجيب لأن نصيب العناد والإصرار لمجرد الإصرار فى أفكارهم كبير .


ندخل الآن إلى الموضوع ..... ونظرا لحبي الشديد للتنقيط فسألخص فكرتى فى 5 أسئلة بأجوبتها ، ولكن إلى من أوجه الأسئلة ؟؟؟


إلى كل من هو خارج الفئتين اللتين ذكرتهما فى البداية ! ... وبالأخص المسلمين ... ليس تمييزا ضد غير المسلمين ، وإنما لأنى سأتحدث عن الله جل فى علاه من المنظور الإسلامي .


س1 : لماذا خلقنا الله ؟؟؟؟؟؟


ج 1 : الإجابة المتوقعة ... لكي نعبده سبحانه وتعالى ...... " وما خلـَــقـْــتُ الجـِـنَّ والإنسَ إلا ليعبدون " .
بصياغة أخري : نحن فى اختبار وأمام ورقة أسئلة هي الدنيا بما فيها ... ولابد أن نحصل على أعلى الدرجات فيها لنرضى ربنا سبحانه وتعالي ، ولكي يتحقق هذا فلا بد أن نحسن إجابة كل نقطة فى الورقة كبرت أم صغرت قدر استطاعتنا بما يرضي الله ... قد نخطئ بغير عمد ، لكن لا يصح ترك سؤال كامل عمدا ، إذ أن هذا بمثابة الانتقاص من شأن الممتحن .


كلام بديهي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ... أعرف ! .... سامح الله من يجبروننا على إعادة اختراع العجلة ! .

احم ..... ماذا ؟؟؟؟ ..... لماذا خلقنا الله كي نعبدَه ؟؟؟؟ ....... الله أعلم ، هذا يتخطى سلطاتى ! .





س 2 : ما دخل الله بالسياسة ؟؟؟؟


ج2 : هي جزء لا يتجزأ من ورقة الامتحان الذى أعدَّهُ الله لنا ، وأرها سؤال جوهري ، لأن إجابة باقى الأسئلة بكفاءة تتوقف على مدى الكفاءة فى إجابة هذا السؤال .

تفاصيل كثيرة تركها لنا الله فى هذا المجال .... وعلينا أن نقتدى بما وصل غيرنا إليه فيها من وسائل ، لكن شيئين رئيسيين ألزمنا بالاتباع فيهما :  1-  الغاية من السياسة وروحها : وهو إرضاءه سبحانه وتعالى أولا وأخيرا ، وبالتالى اتخاذ الوسائل - قدر الإمكان - التى تليق بجلال الغاية .

2- الأخلاقيات : مخ السياسة الربـَّانية هما العدل والشوري ، والأصل فى السياسة الخارجية أن الله خلقنا مختلفين لنتعارف لا نتصارع ، أما إذا اضطررنا للصراع .. فنحن أهله والله معنا .


كلام بديهي ؟؟؟؟؟؟؟؟ .. أعرف ... لكننا فى عصر الشك وعدم اليقين .

س3 : هل الله لا يحب الليبرالية ويلعن الليبراليون ؟؟؟؟؟
ج3 : نشأت الليبرالية فى أوروبا مع نهاية العصور الوسطي المظلمة كرد فعلا على التسلط الكنـَـسي و الإقطاعي و الملكية المتجبرة ، ولذا فقد عـُنـِـيـَــت بالعلاقة بين الفرد والسلطة وكيف تحرير الفرد من تضييق السلطات عليه .لكنها أسرفت فى إبعاد السلطة الدينية حتى أبعدت الدين تماما من الواجهة ، وتاريخيا استأثرت الشعوب الأوروبية بالليبرالية والديموقراطية لبلدانها وشعوبها ، وتعامل مع شعوب العالم الأخري بالاستعباد والاستبداد و دعم الحكومات الفاسدة و الاحتلال و سرقة الموارد .... الخ .

فإذا كان مقصود الليبرالية هو التخلص من ظلم الإقطاعيين و الأغنياء وضمان العدالة الاجتماعية ، وكذلك وضع شكل متوازن للعلاقة بين الحكام والمحكومين يضمن للجميع الحقوق ويضع عليهم ااواجبات ، وكذلك منع ظهور حكم بالحق الإلهي يدعى فيه بعض البشر أن سلطتهم وقرارتهم من الله ولا يجوز الاعتراض عليها ........ فكل هذا يرضى الله سبحانه وتعالى عنه ، وكله من بديهيات الإسلام و ثوابته ، وحينها تكون هذه الليبرالية بهذا الوصف جزء من الإسلام .

أما رغبة كثير من الليبراليين  - من المسلمين - أن يبعدوا دينهم عن مسارات حياتهم بحجة التخلص من القيود و نيل الحرية ، فغير مقبول .
لقد منحنا الله حرية الاختيار بعقلنا و حق الاهتداء على بصيرة إلى دينه الحنيف ، لكن إذا ألزمنا أنفسنا بحمل تشريف وتكليف الانتساب إلى هذا الدين العظيم ، فعلينا أن نكون على قدر الأمانة ونعرف ما علينا من حقوق وما لنا من واجبات .

الخلاصة : ثوابت الإسلام و قواعده الراسخة وأخلاقياته المكينة واجبة الإيمان والتنفيذ على كل من قال : أنا مسلم ، فمن التزم بهذا مهما أطلق على نفسه من تسميات ، يرضى الله عنه ، ومن لا يلتزم بهذا ، فعلى حسب درجة عدم الالتزام ، يكون مقدار غضب الله عليه ... عافانا الله وإياكم .

س4 : هل هتاك متحدثين رسميين باسم الله سبحانه وتعالى ؟؟؟
ج4 : لا يحق لأي بشر أن يقول : الله يريد كذا ، أو سيغضب علينا إذا لم نفعل كذا ..... الخ ، إلا إذا كان معه نص من القرآن أو السنة صحيح الثبوت صريح المعنى لا يحتمل وجها آخر للتفسير ، أما فى حالة عدم وجود هذا ، فعلى المتكلم أن يقول : أعتقد من فهمي للنص الفلاني ، أن الله يقول كذا ، والله أعلم ..... إذا لم نستوعبْ هذه الحقيقة ، فنحن نكذب على الله ، ويزيد جرمنا إذا كنا نتحدث عن تفاصيل حياتية تركها الله سبحانه وتعالى عفوا - ما كان ربك نسيا- لعقولنا واجتهادنا ولم يرد فيها نصوص ، وادعى أحدنا أن رأيه فيها من الله وليس من نفسه .
ولا يحق أبدا لفصيل أو حماعة أو حزب أو جمعية ما ، أن يدعى لنفسه أن المتحدث الحصري باسم الله ، فالدين لنا جميعا وبنا جميعا .

س5 : هل " الدين لله والوطن للجميع " ؟؟؟؟
ج5 : هذه من أكثر الكلمات التى أراها تقع تحت باب : " كلمة حق يراد بها باطل " !

فهي كلمة حق يرضى عنها الله إذا كان مقصودها ألا يتم تمييز ما ضد مواطن بسبب دينه ، وأن يحرم من وظائف هو أهل لها طبقا للدستور والقانون و وامتلاك الكفاءة ، لمجرد أنه منتسب إلى غير دين الأغلبية ، وكذلك إذا كان مقصودها أن نتعايش جميعا مهما اختلفت أدياننا وأن نرعى الوطن جميعا باعتباره المشترك بيننا .... وهذا يكفينا قوله تعالى : " لا ينهاكم الله عن الذين لما يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " .

أما الباطل الذى يريده الكثيرون ممن يرددون هذه الجملة ، فهو أن الدين لله بمعنى علاقة بين الفرد وربه ليس لها اتصال بواقع الحياة ( لا أدرى كيف يمكن لمسلم متدين أن يؤمن بهذا المنطق ويقنع نفسه به ) فى الوطن ، وأيضا ادعاء البعض أن التدين يؤدى إلى التعصب وعدم التسامح و أن الأفضل عزله عن ساحة العمل العام فى الوطن .

الخلاصة : لسنا بحجة لاستبدال الليبرالية الغربية بالإسلام لكي نكون منصفين وعادلين مع غير المسلمين .
ختاما .. حفظ الله مصرنا وثورتها المباركة من كل سوء ، وجعل مصر رافعة للأمة العربية والإسلامية و رمزا لكل طالب حق وعدالة وحرية فى العالم .

وليكن منطلقنا جميعا فى كافة تفاصيل حياتنا هو إرضاء الله سبحانه وتعالي و أن يكون الحق نيتنا وغايتنا .... " ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه..

 "  .

05‏/06‏/2011

عن الليبرالية والإسلام (1) ...مداخل

فى أعقاب الحوار الطلابي الذى نظمته اللجنة الثقافية باتحاد الطلاب بعنوان : " مصر بين الدولة الليبرالية والدولة الإسلامية " ، زاد يقينى بأن المخلصين لمصر من الإسلاميين والليبراليين المعتدلين لو أرادوا أن يصلوا إلى كلمة سواء بينهم تقوم بمصر من كبوتها ، وتعيد لها ألقها و تفرُّدها ، وتجنبها احتكاكات فكرية وصراعات سياسية لا جدوي منها ...... لفعلوا ! .

لكن لنكن واقعيين ... فبمرور ساعات من تنحي مبارك فى 11 فبراير ، وبينما لم تهدأ ْ بعدُ جذوة الثورة وهي بالكاد تحقق أول أهدافها الكبري بخلع الفرعون الجاثم على صدرها ، وبينما لم تبرد بعدُ دماء الشهداء الذين ضحوا من أجل ثورة الحرية العظيمة .... بدأ من لا سامحهم الله بإشعال فرز إسلامي - ليبرالي فى مصر كان من الأولي تأخيره لحين استكمال إنجاز المهام المـُــجمـَـع عليها من أجل مصر ... وهي - والله - كثيرة جدا .

من المسئول عن هذا الفرز والشحن فى غير الأوان ؟؟ .... للأسف كثيرون ، وانسعرت بعض الأصوات البغيضة من هنا وهناك تخوِّن و تمطر الآخرين بالاتهامات جزافا ، و اندلعت حـُـمـَّـى التشكك والبغضاء بيننا ، ومن وحـَّــدَهم ميدان التحرير ، فرقتهم شئون السياسة والتدبير ، لكن أملى فى الله سبحانه وتعالى كبير أن يجمع شملنا لبناء مصرنا جميعا وأن يجعل اختلافنا فيها تنوعا لا تفرقا ، وأن يبعد عنا شر المتأمركين و المنغلقين والمنفلتين و المتشائمين و ممسوخى الهوية و عشاق حب الظهور .

والآن بعد استعراض سريع للظرف التاريخي الراهن .... فلندخل مباشرة إلى الموضوع .

أي مشاهد للساحة المصرية سيصل بسهولة إلى أن الساحة السياسية و الفكرية المصرية بها تياران كبيران .. التيار الإسلامي ( يدعو إجمالا لجعل الشريعة الإسلامية حاكمة على المجتمع المصري و السياسة وينقسم إلى مجموعة من المدارس الفكرية والتنظيمات و التوجهات تتفق على ثوابت شرعية أساسية وتختلف فى التطبيق ومسارات الإصلاح ) .

والتيار الليبرالي ( والذى ينقسم أيضا إلى توجهات عديدة تتباين بين علمانية متطرفة - تطالب بعزل الدين تماما عن السياسة وتوجيه الحياة الاجتماعية و تطالب بتطبيق النموذج الغربي بحذافيره باعتبار طريقا أوحدَ للتقدم - ، وتيارات ليبرالية أكثر تسامحا تجاه الدين فى الحياة الاجتماعية مع عزله تماما عن السياسة ، وأخري ترى أنه من المستحيل عزل الدين تماما عن السياسة وتقول أنه لابد له من دور ما فيها ... انتهاء بمن يسمون أنفسهم الليبرو- إسلاميين ، والذى لا يمانعون فى تطبيق الشريعة وجعلها واجهة لهوية الأمة و سياساتها بشرط أن يأتى ذلك باختيار الأمة فإذا رفضته فلا إلزام عليها به ، كما أن هؤلاء يعطون قيمة خاصة لمبدأ الحرية حتى لمن يخالفون الشريعة جدا ) .

أنا شخصيا - وأنا إسلامي التوجه -  ومن بين التوجهات التى عرضتها فى الفقرة السابقة فإننى لا أعول فى بناء مصر و التفاهم و التعاون المثمر رغم الاختلافات فى سبيل تحقيق ذلك الهدف النبيل ، سوى على الإسلاميين المعتدلين السلميين غير الإقصائيين ( سواء كانوا إخوانا - سلفيين - .... الخ ) و الليبرو - إسلاميين ، وحتى الليبراليين المعتدلين الذى لا يرون عزل الدين تماما عن كل شئ والذين لا يحملون آراء صادمة للأمة المصرية المتدينة إجمالا أو أفكارا متصادمة مع جوهر الدين و أركانه .

لنكن واقعيين .... فى مصر  لا مكان للعلمانية المتطرفة التى تضاد الدين ( وإن تصنـَّــعت وتلوَّنت خلف كلمات تخفف من صراختها مثل المدنية أو الليبرالية ) ، أو للخوارج الجدد الذين يريدون رفع السلاح أو استخدام القوة إجمالا من قهر الأمة على اختياراتهم .
وهناك نقاط ثلاثة أراها ضرورية و تحظى بقبول غالبية المصريين - والله أعلم - وأراها مقدمة حسنة للحديث عن التفاعل الإسلامي - الليبرالي فى مصر الثورة والذى سيسهم لاشك فى تشكيل الخارطة السياسية والفكرية المصرية فى السنوات القادمة :


1- من يقول أنه مسلم عليه أن يعرف ماذا تعنى هذه الكلمة جيدا ... كتعريف مبسط : المسلم هو من يريد أن يـُـمـَــكـَّــن فى الأرض بإيمان كامل فى الله و أخذ كامل بالأسباب ، ليس من أجل الرفاهية الدنيوية فحسب ، إنما قبلها من أجل إرضاء الله سبحانه وتعالي ، وبالتالى فمن البديهي أن هذا المسلم فى كافة دوائر حياته ( نفسه - أسرته - مجتمعه - دولته - العالم ) يحرص قدر استطاعته على أن يفعل كل ما أوجبه الله عليه بنص صحيح الثبوت صريح الدلالة فى القرآن والسنة النبوية ، ويتجنب كل ما نهي عنه بنفس الطريقة ، ويتلمس مقاصد الشريعة الإسلامية الكلية فى كل أمر ( العدل - الشوري - التعاون على البر والتقوي - الإقساط - الإصلاح فى الأرض - مقاومة الظلم والفساد ... الخ ) ..... ومن رحمة الله بهذا المسلم أنه لم يجعل كل أحكام الدين قطعية ، إنما على العكس فأغلبها فيه اختلافات كثيرة فى الجزئيات والفرعيات فى إطار الثوابت الكلية الراسخة ، وهذا تخفيف من الله ورحمة .

كما أن الله ترك بحكمته - وما كان ربك نسيا - تفاصيل الحياة الدنيا - لا أخلاقياتها وتوجهاتها ومقاصدها - مثل ( طرق الزراعة - الأسلحة وتطورها - الصناعات والحرف - تفاصيل الحكم و السياسة وكيفية إدارة الدولة و تنظيم شئونها ... الخ ) إلى الإنسان يعمل فيها عقله وجهده ، ولابد عليه ان يستفيد بمنجزات الآخرين فيها وإن كانوا ملاحدة فسقة كفرة فجرة !! والنبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا فى ذلك ( فكرة الخندق الفارسية - الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق بها - ... الخ ) .


2- لا مكان فى مصر الثورة للإقصائيين أو الوصائيين أيا كانت منطلقاتهم الفكرية .
الإقصائي
الذي يريد تجريد الآخرين من الحرية باسم أنه الوحيد - فى نظره - الذى يمتلك الحقيقة المطلقة ، أو باسم أنه " لا حرية لأعداء الحرية " ، أو " لا ديموقراطية لأعداء الديموقراطية " ..... هو عدو لمصر ولثورتها .

والوصائي الذى يريد أن يفكر بالنيابة عن الناس بحكم أنهم غير مؤهلين للديموقراطية أو أنهم جهلة متخلفون مضحوك عليهم  ، أو أنه عبقري الزمان والمكان ، أو أنه الذي يمتلك التفسير الوحيد الصحيح للدين ...... الخ ، هو من أذناب الاستبداد والفساد ولا مكان له ولوصائيته فى مصر الحرة الجديدة .

لابد أن يعرض الجميع نتاجهم الفكري سواء وصلوا له انطلاقا من مرجعية إسلامية أو مرجعية ليبرالية أو مرجعية أبو جلمبو حتى ! .. على الشعب ، مع إتاحة كامل الحرية له ليفكر ويقرر ويختار .. وهذه هي الديموقراطية الحقيقية والتى على الجميع أن يحترم نتائجها غالبا أو مغلوبا .

3- إذا كانت  الليبرالية - كما يقول كثير من ليبراليى مصر - هي حرية الرأي والتعبير والاعتقاد والفكر ، وأن هدفها الرئيسي تحرير الإنسان من عبودية السلطات وتحقيق السعادة له ،  وأنها ليست حرية مطلقة غير منضبطة ، إنما تحكم نفسها بضوابط المجتمع وتقاليده .
وإذا كانت الفكرة الإسلامية تعنى أيضا الالتزام بمبادئ الإسلام الكبرى من الحرية  والعدل والكرامة الإنسانية ، مع تطبيق كل ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، و انطلاقا من إيمان الناس بالفكرة الإسلامية ورغبة أغلبيتهم فى تطبيقها .
فأنا أري أن ما سبق يصلح كأرضية مشتركة للتعايش والتفاهم و التعاون بنسبة لا تقل عن 80 أو 90% ، أهم شئ أن تصدق النوايا ، وأن يتنحى المتلونون وأصحاب الأغراض الخاصة والمصالح الضيقة جانبا .

الموضوع كبير جدا جدا .. ولا تستوعبه كتب ودراسات ... وما سبق كان مجرد تفاتيح بسيطة .... ولنا لقاءات جديدة بإذن الله .