07‏/01‏/2011

فى كـَ،نـفِ القرآن (1)

هل الشعور بالأمان النفسى يعود إلى جينات متوارثة ، أم عوامل بيئية أم مهارة يكتبها المرءُ مع طول ما بقطع من مسافات فى رحلة العمر ؟؟

لا أدرى .. أعتقد أنها كل الأسباب جميعا وأسباب أخرى ! .

ولا أدرى هل الشعور بالأمان النفسي التام نعمة أم نقمة .. أصبحت أميل للاعتقاد أنه نقمة !! .

فعدم الشعور بالأمان النفسى يعطى أحدنا طاقة هائلة لتغيير شكل واقعه ومستقبله .. لكي يشعر بالأمان النفسى .. أو يشعر بصورة منشودة فى مخيلته لهذا الأمان النفسي .

ولكن ما علاقة السفسطة السابقة باسم المقال .... فى كـَـنَـفِ القرآن ؟؟

العلاقة وثيقة للغاية .

منذ أن تفتحت عيناي على الدنيا وأنا أشعر بالقلق ، قلق مبهم لا أفهم له سببا .. نفس متوقـَّـدَّةٌ شكوكٌ قلوقٌ عجول تسكن أرجاء جسمى ! .. لاتكل ولاتمل .. تتقلب من حال إلى حال كأشد وأسرع من تقلب الليل والنهار .

منذ أن بدأتُ أتحسسها وأتعرف من خلالها على هذا الكيان البشري الذى يمثلنى ، وأنا واثق من حقيقة واحدة ..... ( فيه حاجة غلط ! )

لايمكن أن يكون هذا الوضع القلق هو الـ default ! ، لابد أن هناك خلل ما يعالجه شئ ما فأصل لإحساس كنت أنسجه فى خيالى ... الأمان التام .. الراحة .. هدوء البال ... الاتزان ..الخ .

تفتحت عيناي على كلام كثير من أهلى .. عن الدين والحياة و.. و .. و .. ، لكن كنت أنكـِـرُ كل هذا .. فكرة واحدة فقط هي التى أحسست أنها ترسَّخـَـت فى أعماقى ، وتربَّعـَـتْ على عرش يقينى ، حتى أننى شعرت أنها مطبوعة على لوح نفسى وكل ما فعله أهلى والحياة أن أزاحوا عنها بعض الأتربة التى تغشاها ، فانبعث نورها فى ثنايا نفسى ، فمنحها قبسا من السكينة كانت تحتاجه تلك النفس المتمردة والمنكرة لكل شئ حتى نفسها أحيانا ..... هذه الفكرة هي : الله سبحانه وتعالى .. وجودا ووحدانية .

رغم تعاقب السنين وتقلبات الحياة وتغيراتٍ شتى فى نفسى وحياتى شملت صغيرهما وكبيرهما ،فقد ظلت مترسخة ، بل وتطورت وتبلورت وأصبحت هي كل معنى وجودى وكيانى .

ولذا فقد أحببت القرآن حبا جما ، لأنه - ببساطة - يضم فى ثنايا آياته المعظمة .. الله سبحانه وتعالى كما ينبغى أن يكون ، وكما ينبغى أن يُعبَـد جلَّ فى علاه ! .

إنه يقدم التفسير الوحيد الذى يكسب هذه الحياة الخرقاء معناها ! ، ولذا فعندما يفيض بي الذعر و تعصف بي الحياة وتتلاطم أمواج الفكر فى عقلى المسكين ، فإنى أهرع إلى أحضان القرآن لأبث إلى الله همي فيبث إليّ ما يعيننى على الصبر والتصابر وما يقنعنى بجدوى البقاء فى هذه الدنيا التى شرفها الله سبحانه وتعالى بأن جعلها لجنة امتحان الخلود الأخروي ! .

إلا أننى قد اكتشفت أننا نرتكب جرائم كبرى فى حق أنفسنا فى تعاملنا مع القرآن ، فأغلبنا محروم من نعمة التدبر فى آي هذا الكتاب الذى لا تنقضى عجائبه ، ومصابون بأنيميا نقص الإيمان الحادة نتيجة ضآلة الجرعة اليومية - إن وجدت - من زاد القرآن المٌشبـِـعْ .

وتجد الكثيرين منا لا يعرفونه إلا فى المناسبات - رمضان - ، إذ ينقضون على المصاحف بعد التنقيب عنها تحت تلال الأتربة فى المكتبة لكي يبدأوا فى سباق العدو السريع مسافة جزء واحد ، وفى أقل من 10 دقائق تكون المهمة قد أنجزت ، ودخل أحدنا إلى عالم القرآن وخرج دونما أدنى فائدة سوى تخدير ضميره بإيهامه أن قد قرأ جزءا كاملا ...... راح البحر ورجع عطشان ! .

ورغم أن أذناي تفتحت على سماع القرآن الكريم ، وأن حفظه كان من بواكير أنشطة حياتى ، إلا أننى أشعر الآن كأننى لم أقرأه من قبل !
فمع زيادة جانب التدبر فى حصتى القرآنية ، تفجرت أمامي ينابيع لاتنضب من معانيه الجليلة والتى نهضت بنفسى الكليلة إلى مراتب أسمى من مراتب رغبات الطين .

ولذا فقد قررت أن أشارككم ببعض هذه التأملات البسيطة - اللى على قدى - فى بعض آي الذكر الحكيم ، عسى الله أن ينفعنى وإياكم ببركة كتابه الكريم .

وسبب تسمية الموضوع بهذا الاسم ( فى كنف القرآن ) للتعبير عن شعور الضم والاحتواء الذى يغمرنى عندما أهرع من قسوة حياتى وغلظة أفكارى إلى أحضان القرآن ودفء معناه وروعة مبناه .

يكفينى أنه مهما جـَـدَّ فى حياتى من مرارات ، فسيظل إلى جواري بإذن الله ، لأحيا فى كنفه وأرتوى من معينه وأتنسم من عبيره معنى الوجود ، ولن أكون أبدا - بإذن الله - كالشاعر الذى تفرق عنه أحبابه فقال :

ذهب الذين يُعاشُ فى أكنافهم ــــــــ وبقيت فى خـَـلـَـفٍ كجلد الأجرب ِ !

كان ما سبق مقدمة صغيرة وفى كل مرة قادمة بإذن الله ، سأفرغ ما فى جعبتى من تأملات بسيطة عن آية من آيات القرآن النورانية .

لا تنسوا القرآن يا أمة القرآن .





ليست هناك تعليقات: