14‏/01‏/2011

تونس الحمراء


تونس .. تونس .. تونس ! .. وما استعصى على قومٍ منـــالُ ــــ إذا الإقدامُ كان لهم رِكـــابا .

طغت أخبار تونس على كل الأخبار الآن ، حتى اللمسات النهائية لتفتيت السودان وقص شريط الانفصال ، قد توارَيــا خلفَها .

صدقونى أنا أسخر من نفسى الآن ، وأقول لها فى كل آن : ( عرفتى إنك عاجزة ، وما عندك من العلم معشار قطرة من محيط ؟؟؟؟؟ ... اتكلمى بعد كده على قدِّك يا ماما ! ) .

فبعد المسرحية الكوميدية الظريفة التى حدثت منذ شهرين والمسماة : ( الانتخابات التشريعية مصر 2010 ) ، جلست أتأمل فى الأوضاع وأنا فى غاية الاكتئاب ( شوفوا أنا قفل إزاي ؟؟ ، بعد المسرحية الرهيبة ديه وبكتئب ) وأظن أن دورة الزمن قد توقفت فى مصر والعالم العربي والإسلامي ، وترسَّـخ فى أعماق أعماقى يقين بأن هذا الجسد العربي الإسلامي الذى أقعدته أمراض الاستعمار ( بشقيه الخارجى والداخلي ) وكبت الحرية و الاستبداد والخنوع والتراجع والانحطاط ....الخ ما يحتوى قاموس اللغة العربية من مفردات سلبية ، لن تقوم له قومة ، على الأقل فى حياتى طالت أم قصرت ، ولكن التدبير الإلهى دونه كل الفـِـكـَـرْ ... فاعتبروا يا أولى الأبصار .

لقد اهتز هذا اليقين الكئيب ، وقام مكانه يقين شعاره : (من قلب كل محنة تولد المنحة ) ، فهاهو الشاب محمد البوعزيزى ، وهو ضحية متكررة للواقع الكسيح فى عالمنا العربي والإسلامي ، هو مواطن عربى Default !، لم يجد الوظيفة المناسبة لمؤهلاته ، فقرر تطبيق نظرية ( أي شغلانة والسلام أحسن من مفيش ) ، لكن طيور الظلام التى بالبلدي ( لا ترجم ، ولا تريد رحمة ربنا تنزل ) طاردوا فى لقمة عيشه وأهانوه ، فما كان أسهل على الشيطان فى فورة الغضب أن يدفعه إلى قتل نفسه التى هونوها عنده وأفقدوه قيمتها ورونقها بعد أن لوثوا الأرض والسماء بظلمهم واستبدادهم ، فكان هذا كما قال القائل : القشـَّـة التى قصمت ظهرَ البعير .

وهكذا كانت النار التى التهمت جسد البوعزيزي هي الشرارة المنتظرة للأمة التونسية التى همشتها سياسات الحيفِ والخسف والفساد ، وقرر التوانسة أن يقولوا لنظامهم الحاكم الذى مرَّر عليهم حياتهم اقتصاديا وسياسيا ودينيا وثقافيا ... كفاية ، ولكنها باليد لا اللسان ، فكان شعارهم كما يقول الشيخ القرضاوي :

لغة الكلامِ تعطـَّـلتْ ــــــ إلا التكلُّـمَ بالرماح

  إنا نتوق لألسُنٍ بـُكـْــمٍ .. على أيدٍ فـِصاح !

ونزل الجميع إلى الشارع ، أولا المهمشين فى المدن الداخلية البعيدة عن استثمارات الطبقة الحكمة وقراها السياحية ، ثم تضامن الجميع وتكاتفوا ، وقرروا أن يدفعوا الضريبة الحمراء معا ، ووقفوا بصدورهم العارية أمام زبانية النظام وقوات الذعر ( الأمن ) وقناصتها الذين اعتلوا أسطح المبانى .... فللحريةِ الحمراءِ بابٌ ــــــ بكلِّ يدٍ مضرَّجـَّـةٍ يُدّقٌّ .

وأجبرت هذه التضحيات رجال الجيش الذين أغرقتهم امتيازات النظام ووسائل التخدير ( اللى انتم عارفينها ) ، على الوقوف مع أهاليهم وإخوانهم ضد الشرطة فى عدة مواقف ، وسُقـِطَ فى أيدى سدنة النظام ، ولن يمكن استخدام الجيش كورقة أخيرة لسحق انتفاضة الروح والكيان ، هذا أذا ضمنوا أن الجيش لن يجاوز مرحلة الحياد النسبي الحالية إلى مراحل ( يعرفها الجميع خاصة فى بلادنا العربية والإسلامية ) .

ثم تحققت المعجزة ، وخرج علينا بن على يوم الخميس يلاطف شعبه ويخفض له جناح الذل  ، ولكن من الرهبة  ، ولسان حاله : ( أبوس ايديكم ، حد يقرصنى ، أنا فى حلم ولا فى علم ، طب .. طب .. سيبونى أكمل الـ 3 سنين اللى باقيين فى الفترة ديه ، عشان أقفلهم 27 ! واء واء واء  ) .

ولكن أربأ بشعب تونس أن تخدعه دموع تمساح ( لا يجيد إفراز دموع التماسيح ) ! ... فقد مضى الكثير ولم يبقَ إلا القليل .

عامة ، لا أحب الإطالة فى توصيف واقع ، خاصة عندما يكون واقعا مذهلا تعجز الصفات عن إعطائه حقه ، فتميم البرغوثى يقول : إن الصفاتِ خياناتٌ لما تصـِفُ .

وكذلك أحب القفز إلى دروس وكلام ينبنى عليه عمل وفوائد ، فآفتنا الكبرى أن نتكلم كثيرا ولا نعمل إلا قليلا ، وهذا العمل غالبا يكون هدفه أن نعمل ما يمنحنا الفرصة لنتكلم أكثر ! .

وسألخص ما أريد فى سؤالين وإجابتهما .

الأول : ما تقييمك لما حدث فى تونس ؟؟؟

ت
الإجابة : بالتأكيد رائع ومذهل ، ويكفى أن شعب تونس ، سواء من قضى نحبه ومن ينتظر ، قد أعذروا إلى ربهم ، وبإمكانهم أن يقولوا : يارب ! قد قلنا للظالم يا ظالم ، وقمنا بخير الجهاد بكلمة حق كتبتها دماؤنا فى وجه سلطان جائر .
وسواء نجحوا فى خلعه أم لم ينجحوا فيكفيهم فى نظرى ما سبق ، ويكفيهم أنهم أرسلوا رسالة إنذار شديدة اللهجة إلى كل مستبد وظالم ، أن رسوخهم فى عروشهم لا تعنى أنه ليس من الممكن هز العرش بمن فوقه وإسقاطه فى مزبلة التاريخ .
لكن أتمنى بالطبع أن تستثمر هذه الدماء الغالية والتضحيات الباسلة أفضل استثمار ممكن ، ويجنى الشعب التونسى من ورائها أكبر قدر ممكن من المكاسب على كافة المستويات .
وأثرت فيّ كلمتين سمعتهما ، الأولى من شاب تونسى يقول : الرئيس يوعد بالقضاء على الفساد ومحاكمة المفسدين ، فهل هو مستعد لمحاكمة أفراد عائلته ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
والثانية من أم فلسطـ .... احم .. تونسية ثكلى تقول : قتلوا ابنى ، عندى أربعة غيره ! ....... لقد تصهيــَــنَ عليهم النظام التونسي ، فكافأوه  بالانتفاضة التى يستحق .... وآن الآوان لكي تطيرَ رأسُ الأفعى .

الثانى : هل يمكن أن يتكرر ما حدث فى تونس ، ولكن فى مصر ؟؟ ( آاااااااه ودونا فى داهية بقى ) !

الإجابة : ممكن ، للأسف الشديد !!

الأسااااااااااااااااااااااااااااااااااااااافففففففففف ؟؟؟!!!!!!!!!! نعم يا خووووووووووووياااااااااااا ، إمال واجع دماغنا فوق إشادة بتونس وشعبها البطل الجرئ و لوك لوك لوك لوك من الصبح ، وفى الآخر وقت الجد تقول الأسف الشديد ؟؟؟

للأسف مضطر أقول للأسف الشديد ، للأسباب الآتية :

1- مليون عسكرى أمن مركزى يتواجدون فى مصر ، ومسلحون جيدا بكل حاجة إلا العقل ( وهذا مقصود ) ، وبالتالى فهو يمتلكون قدرات خارقة فى إطاعة الأوامر ، وبينزلوا ساعات بأوبشن زومبيز Zombies  ، ويمكن إدارتهم بسهولة بنظرية : دول أعداء الوطن يا تييييييييييييييييييييييت ، اضرب ! .

2- لو حدثت هبة شعبية مماثلة لتونس ، فلن تكون ثورة اقتصادية وسياسية وفقط ، وإنما فى مصر ستصطبغ بصبغة ( تانية خااااااااااااالص ) - والله أعلم - ، أعتقد أنها ستكون ثورة جنسية  ( راجع الحدائق العامة والمتنزهات فى الأعياد )  .

3- حوالى 20-25% من المصريين يقطنون فى أحياء شعبية وعشوائيات ، وينتشر فى أوساط هؤلاء الكثير من مظاهر وبواطن الانحرافات بشتى أنوعها ، كما أن الفقر والجهل والمرض ( طلعوا روحهم ، وأشعلوا فى صدورهم الحقد على الأغنياء ) ، وثورة هؤلاء لن يحكمها منطق أو عقل ، وعندك فى القاهرة حول كل حي من الأحياء الغنية ، حي أو أكثر من الشعبية والعشوائيات ، فإذا انعدم الأمن أو اضطرب ....... يا نهار سلب ونهب و.. راجع النقطة 2 أيضا !

4- كنت أتمنى ألا تغلق الحكومة والنظام فى وجوههنا سبل الإصلاح الهادئ السلمي ، لأنه تحت أي ظرف  هو الأفضل والأدوم والأقل كلفة ، والأعلى ثمارا ، لكن للأسف الشديد فلا حياة لمن تنادى ، ولا يدرى هؤلاء أنه كلما ضاقت سبل العقل والمنطق ، فللطيش والتهور طرق أوسع .

5- حكمة الرئيس عندنا ، تحول دون تكرار التجربة التونسية كما حدثت ... آخرنا التجربة الدانماركية . ( والجملة ديه أنا مش هوضحها أكتر من كده ، كل واحد يفهمها بمزاجه .. اللهم هل بلغت ، اللهم فاشهد ) .


ختاما ، تحية للشعب التونسى ، ولكل مدافع عن حقه فى كافة أرجاء الدنيا .


هناك 4 تعليقات:

3issa يقول...

اكتر حاجة عاجبانى انك تناولت الموضوع بتاع احتمالية ما يحدث فى مصر بشكل موضوعى جدا

وانا موافق معاك 1000000 %

لو حصل الكلام دا فى مصر حتبقى مجزرة وعشوائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى

مع ان برضو للاسف الشديد الاحوال طين و هباب و الموضوع شكله حيطول ومش حينتهى غير زى تونس

ربنا يستر

غير معرف يقول...

بالظبط

مشكلة المصريين انهم بيهيصوا في الزيطة

هتلاقي الاوساخ من كل حدب وصوب طالعين ينهبوا في كل حاجه

المصيبة الكبرى انه حرامية البلد هما اللي هيهربوا بره مصر لارصدة بنوكهم في سويسرا

واللي هيتنهب هما الاغنياء الشرفاء والطبقات المتوسطة
اي حد فاتح محل يسترزق بيه ولا مخزن حاطط فيه بضاعة بيتاجر فيها هتتنهب

لذلك هتبقى مصيبة سودا ومهببة بهباب لو ده حصل

لكن للامانة اشك ان ده يحصل في مصر

المصريين اجبن من انهم يعملوا كده

غير معرف يقول...

اكبر دليل على صحة كلامك يا (ابو صلاح) ماتشات الكورة وبالذات المهمة منها ومايحدث بعدها من فوز لنا وانتم ادرى بكلمة
دمااااااااااااااااااااااااااااااااررر بكل ماتحتويه الكلمة من معنى
وانامعاك فانه ماينفعش ان احنا نعمل كده
وغير كده انا مش موافق على اللي حصل في تونس وهتعرفوا معنى كلامي في الايام القادمه عندما (ستحتل ) تونس من الخارج حيث انها بذلك تجعل الف سبيل لدول خارجية بالدخول لها بداعي الدفاع عن حقوق النسان والوكلوك الكتير ده اللي انتوا عارفينه طبعا
بمعنى اخر سياتي بمساوئ اكبر واجم من اللي حاصل زلذلك وضع الله القاعده الشرعيه درء المفاسد مقدم على جل المصالح

ارجو ان تتقبلوا مروري
شكرا

Unknown يقول...

شكرا لكل التعليقات
وكلام محترم جدا

وطبعا كل ما كان الإصلاح أكثر سلمية وتدريجا كلما كان أفضل

لكن الظلم الفادح والطغيان يقسران الشعوب على الانفجار واستخدام الأساليب الأعنف

وبالتوفيق لشعب تونس ولكل شعوب الأمة العربية والإسلامية