05‏/06‏/2011

عن الليبرالية والإسلام (1) ...مداخل

فى أعقاب الحوار الطلابي الذى نظمته اللجنة الثقافية باتحاد الطلاب بعنوان : " مصر بين الدولة الليبرالية والدولة الإسلامية " ، زاد يقينى بأن المخلصين لمصر من الإسلاميين والليبراليين المعتدلين لو أرادوا أن يصلوا إلى كلمة سواء بينهم تقوم بمصر من كبوتها ، وتعيد لها ألقها و تفرُّدها ، وتجنبها احتكاكات فكرية وصراعات سياسية لا جدوي منها ...... لفعلوا ! .

لكن لنكن واقعيين ... فبمرور ساعات من تنحي مبارك فى 11 فبراير ، وبينما لم تهدأ ْ بعدُ جذوة الثورة وهي بالكاد تحقق أول أهدافها الكبري بخلع الفرعون الجاثم على صدرها ، وبينما لم تبرد بعدُ دماء الشهداء الذين ضحوا من أجل ثورة الحرية العظيمة .... بدأ من لا سامحهم الله بإشعال فرز إسلامي - ليبرالي فى مصر كان من الأولي تأخيره لحين استكمال إنجاز المهام المـُــجمـَـع عليها من أجل مصر ... وهي - والله - كثيرة جدا .

من المسئول عن هذا الفرز والشحن فى غير الأوان ؟؟ .... للأسف كثيرون ، وانسعرت بعض الأصوات البغيضة من هنا وهناك تخوِّن و تمطر الآخرين بالاتهامات جزافا ، و اندلعت حـُـمـَّـى التشكك والبغضاء بيننا ، ومن وحـَّــدَهم ميدان التحرير ، فرقتهم شئون السياسة والتدبير ، لكن أملى فى الله سبحانه وتعالى كبير أن يجمع شملنا لبناء مصرنا جميعا وأن يجعل اختلافنا فيها تنوعا لا تفرقا ، وأن يبعد عنا شر المتأمركين و المنغلقين والمنفلتين و المتشائمين و ممسوخى الهوية و عشاق حب الظهور .

والآن بعد استعراض سريع للظرف التاريخي الراهن .... فلندخل مباشرة إلى الموضوع .

أي مشاهد للساحة المصرية سيصل بسهولة إلى أن الساحة السياسية و الفكرية المصرية بها تياران كبيران .. التيار الإسلامي ( يدعو إجمالا لجعل الشريعة الإسلامية حاكمة على المجتمع المصري و السياسة وينقسم إلى مجموعة من المدارس الفكرية والتنظيمات و التوجهات تتفق على ثوابت شرعية أساسية وتختلف فى التطبيق ومسارات الإصلاح ) .

والتيار الليبرالي ( والذى ينقسم أيضا إلى توجهات عديدة تتباين بين علمانية متطرفة - تطالب بعزل الدين تماما عن السياسة وتوجيه الحياة الاجتماعية و تطالب بتطبيق النموذج الغربي بحذافيره باعتبار طريقا أوحدَ للتقدم - ، وتيارات ليبرالية أكثر تسامحا تجاه الدين فى الحياة الاجتماعية مع عزله تماما عن السياسة ، وأخري ترى أنه من المستحيل عزل الدين تماما عن السياسة وتقول أنه لابد له من دور ما فيها ... انتهاء بمن يسمون أنفسهم الليبرو- إسلاميين ، والذى لا يمانعون فى تطبيق الشريعة وجعلها واجهة لهوية الأمة و سياساتها بشرط أن يأتى ذلك باختيار الأمة فإذا رفضته فلا إلزام عليها به ، كما أن هؤلاء يعطون قيمة خاصة لمبدأ الحرية حتى لمن يخالفون الشريعة جدا ) .

أنا شخصيا - وأنا إسلامي التوجه -  ومن بين التوجهات التى عرضتها فى الفقرة السابقة فإننى لا أعول فى بناء مصر و التفاهم و التعاون المثمر رغم الاختلافات فى سبيل تحقيق ذلك الهدف النبيل ، سوى على الإسلاميين المعتدلين السلميين غير الإقصائيين ( سواء كانوا إخوانا - سلفيين - .... الخ ) و الليبرو - إسلاميين ، وحتى الليبراليين المعتدلين الذى لا يرون عزل الدين تماما عن كل شئ والذين لا يحملون آراء صادمة للأمة المصرية المتدينة إجمالا أو أفكارا متصادمة مع جوهر الدين و أركانه .

لنكن واقعيين .... فى مصر  لا مكان للعلمانية المتطرفة التى تضاد الدين ( وإن تصنـَّــعت وتلوَّنت خلف كلمات تخفف من صراختها مثل المدنية أو الليبرالية ) ، أو للخوارج الجدد الذين يريدون رفع السلاح أو استخدام القوة إجمالا من قهر الأمة على اختياراتهم .
وهناك نقاط ثلاثة أراها ضرورية و تحظى بقبول غالبية المصريين - والله أعلم - وأراها مقدمة حسنة للحديث عن التفاعل الإسلامي - الليبرالي فى مصر الثورة والذى سيسهم لاشك فى تشكيل الخارطة السياسية والفكرية المصرية فى السنوات القادمة :


1- من يقول أنه مسلم عليه أن يعرف ماذا تعنى هذه الكلمة جيدا ... كتعريف مبسط : المسلم هو من يريد أن يـُـمـَــكـَّــن فى الأرض بإيمان كامل فى الله و أخذ كامل بالأسباب ، ليس من أجل الرفاهية الدنيوية فحسب ، إنما قبلها من أجل إرضاء الله سبحانه وتعالي ، وبالتالى فمن البديهي أن هذا المسلم فى كافة دوائر حياته ( نفسه - أسرته - مجتمعه - دولته - العالم ) يحرص قدر استطاعته على أن يفعل كل ما أوجبه الله عليه بنص صحيح الثبوت صريح الدلالة فى القرآن والسنة النبوية ، ويتجنب كل ما نهي عنه بنفس الطريقة ، ويتلمس مقاصد الشريعة الإسلامية الكلية فى كل أمر ( العدل - الشوري - التعاون على البر والتقوي - الإقساط - الإصلاح فى الأرض - مقاومة الظلم والفساد ... الخ ) ..... ومن رحمة الله بهذا المسلم أنه لم يجعل كل أحكام الدين قطعية ، إنما على العكس فأغلبها فيه اختلافات كثيرة فى الجزئيات والفرعيات فى إطار الثوابت الكلية الراسخة ، وهذا تخفيف من الله ورحمة .

كما أن الله ترك بحكمته - وما كان ربك نسيا - تفاصيل الحياة الدنيا - لا أخلاقياتها وتوجهاتها ومقاصدها - مثل ( طرق الزراعة - الأسلحة وتطورها - الصناعات والحرف - تفاصيل الحكم و السياسة وكيفية إدارة الدولة و تنظيم شئونها ... الخ ) إلى الإنسان يعمل فيها عقله وجهده ، ولابد عليه ان يستفيد بمنجزات الآخرين فيها وإن كانوا ملاحدة فسقة كفرة فجرة !! والنبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا فى ذلك ( فكرة الخندق الفارسية - الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق بها - ... الخ ) .


2- لا مكان فى مصر الثورة للإقصائيين أو الوصائيين أيا كانت منطلقاتهم الفكرية .
الإقصائي
الذي يريد تجريد الآخرين من الحرية باسم أنه الوحيد - فى نظره - الذى يمتلك الحقيقة المطلقة ، أو باسم أنه " لا حرية لأعداء الحرية " ، أو " لا ديموقراطية لأعداء الديموقراطية " ..... هو عدو لمصر ولثورتها .

والوصائي الذى يريد أن يفكر بالنيابة عن الناس بحكم أنهم غير مؤهلين للديموقراطية أو أنهم جهلة متخلفون مضحوك عليهم  ، أو أنه عبقري الزمان والمكان ، أو أنه الذي يمتلك التفسير الوحيد الصحيح للدين ...... الخ ، هو من أذناب الاستبداد والفساد ولا مكان له ولوصائيته فى مصر الحرة الجديدة .

لابد أن يعرض الجميع نتاجهم الفكري سواء وصلوا له انطلاقا من مرجعية إسلامية أو مرجعية ليبرالية أو مرجعية أبو جلمبو حتى ! .. على الشعب ، مع إتاحة كامل الحرية له ليفكر ويقرر ويختار .. وهذه هي الديموقراطية الحقيقية والتى على الجميع أن يحترم نتائجها غالبا أو مغلوبا .

3- إذا كانت  الليبرالية - كما يقول كثير من ليبراليى مصر - هي حرية الرأي والتعبير والاعتقاد والفكر ، وأن هدفها الرئيسي تحرير الإنسان من عبودية السلطات وتحقيق السعادة له ،  وأنها ليست حرية مطلقة غير منضبطة ، إنما تحكم نفسها بضوابط المجتمع وتقاليده .
وإذا كانت الفكرة الإسلامية تعنى أيضا الالتزام بمبادئ الإسلام الكبرى من الحرية  والعدل والكرامة الإنسانية ، مع تطبيق كل ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، و انطلاقا من إيمان الناس بالفكرة الإسلامية ورغبة أغلبيتهم فى تطبيقها .
فأنا أري أن ما سبق يصلح كأرضية مشتركة للتعايش والتفاهم و التعاون بنسبة لا تقل عن 80 أو 90% ، أهم شئ أن تصدق النوايا ، وأن يتنحى المتلونون وأصحاب الأغراض الخاصة والمصالح الضيقة جانبا .

الموضوع كبير جدا جدا .. ولا تستوعبه كتب ودراسات ... وما سبق كان مجرد تفاتيح بسيطة .... ولنا لقاءات جديدة بإذن الله .


هناك تعليق واحد:

Aly يقول...

مقال منصف ورائع
والأهم من ذلك انه تخطى التحليل الى حلول واتمنى ان نرى هذا التعاون قريبا بين كل الأطراف التى تسعى لنهضة البلاد