14‏/07‏/2011

الثورجية و السكيزوفرينيا و أشياء أخري



( توضيح هام : هناك خطأ علمي شائع فى الخلط بين السكيزوفرينيا أو الشيزوفرينيا و ازدواج الشخصية أو تناقضها ، لكن بما أننا لسنا فى درس فى علم النفس أو راوند فى السيكاتري ، فلا مانع من " ركوب موجة " هذا الخطأ ، واعتبار الشيزوفرينيا هي التناقض ! )

الثورة فعل عظيم جدا جدا ، وبالأخص عندما تنجح ، إذ تكون كعملية جراحية حاسمة وخطيرة لا حل للمرض العضال سواها ، وفى وقت وجيز تنقل المريض من شفا الموت إلى خضم الحياة ..... هذا إن نجحت ! .

 وأن تنتسب للثورة ، فتكون ثوريا مناضلا تثور على كل سئ فى حياتك الشخصية و مجتمعك و أمتك والعالم ، فهذا شئ رائع ، و ثورة رائعة كالحلم كـ 25 يناير يمثل الانتساب لها شرف عظيم جدا لمن شارك فى إشعال جذوتها وفى أحداثها ..... وتكليف أعظم كذلك ! .

لكن من أبغضهم كأشد ما يكون البغض ، هم من يمكن تسميتهم بالـ " ثورجية " ، وهم الذين اتخذوا الثورة حرفة للاسترزاق السياسي و الإعلامي و أحيانا المادي ، و يريدون الانفراد الحصري بتوكيل الثورة و توجيه دفتها ، و هؤلاء غالبا ما تجدهم مندفعين منفعلين يقومون بالفعل ثم يفكرون فيه .... و أحيانا لا يفكرون .

يؤسفنى فعلا أن أهاجم أناسا كان لبعضهم أدوار مشهودة فى إرهاصات الثورة و بداياتها و أهم مفاصل أحداثها ، لكن الحق أعز عندنا من الأشخاص ، ومصلحة مصرنا العزيزة بإذن الله فوق كل اعتبار .

و كعادتي ، سألخص أفكاري فى هذا الموضوع فى 10 نقاط سريعة :

1- النوايا الحقيقية للإنسان هي سر أسراره ، لكن من رحمة الله به وبغيره أن جانبا كبيرا أو صغيرا منها ينكشف من مواقفه و آرائه .. الخ ، وانطلاقا من هذا فليس من التجني أن مواقف بعض من شاركوا فى الثورة بأدوار مهمة تشير بوضوح إلى أنه لم تكن نيتهم الوحيدة فى ما فعلوا فى الثورة هي الله والوطن ، وإنما غلب على بعضهم حب السلطة و شهوة القيادة و الإعجاب بالذات و هوس الظهور ... الخ .

2- من أهم خواص الكائن الثورجي أنه دائما ما يعارض من أجل المعارضة ، و يمتلك موهبة فريدة فى استخلاص وانتزاع الأنصاف الفارغة من كافة أكواب الكون و تكبيرها و إغفال وجود أية إيجابيات لأن الاعتراف بوجود الإيجابيات ولو قليلة يمثل بالنسبة للثورجي حدثا " فصيلا " يخرجه من "مود " الكآبة والتغتيت على خلق الله و تكدير عيشتهم و " اللى خلفوهم " ، وهو المود الذى يمكنه من آداء رسالته العظمي فى الحياة وهي .. الثورة من أجل الثورة .. خلقت لأعترض ! .

3- الثورجي غالبا ما يعتبر نفسه أحد المحاور الرئيسية التى يرتكز عليها البناء الكوني ، و عنده اعتقاد جازم أنه " الكبير بتاع الليلة " و أنه " خسارة فى البلد دي " التى تمتلئ عن آخرها بالأغبياء والحمقى و المغفلين و مدمنى أفيون الشعوب الأخطر .. الدين ! ، ولذا تجده يسب الأحزاب و شباب الثورة و المجلس العسكري و مجلس الوزراء والفلول و الإخوان والأزهر و حتى الكابتن ماجد ... الخ ! . هو الوحيد الذى يمتلك المواقف التى تشفع له أمامه ألا يـُـخـَــوِّنـَــه أو يسبه !! .

4- الثورجي - للأسف الشديد - طاقة اندفاعية سلبية مُعدية ، و صوته العالى و " تنطيطه " من كشك إعلامي إلى آخر من أهم أسباب قدرته على العدوي ، ولذا تجد الكثير من المخلصين ينخدعون فيه خاصة إذا ما اعتبروا اندفاعه و حماسته الجارفة ميزات رهيبة له فى مقابل هدوءهم و برودهم فى أحيان كثيرة ، و لذا يكنون له احتراما خاصا ، و يصبحون فى يده كالعجينة و يتمكن بسهولة من اجتذابهم باللعب بالعواطف و بأجواء التسخين و الإثارة ( دم الشهداء من هيرجع غير لما نقفلهم القنال كام يوم ولاد التيييييييييييييت دول / تلاقيه بيحكمنا من مبارك دلوقت و مدلدل لينا لسانه / المجلس العسكري صنيعة مبارك و عبده المخلص والفيلات و القصور التى منحها لهم هي الثمن .... الخ ) ، فتجد أغلب من يقتنع بمنطق الثورجي يصل إلى نتيجة مفادها أن الثورة فشلت و أن النظام ما زال كما هو و أننا " انضحك علينا " ...... الخ ..... ( أكبر مستعمرة لإنتاج وتفريخ الثورجية هي تويتر نظرا لنظام الكبسولات السريعة الذى يقوم على أساسه ، والذى يعطي للثورجي مساحة هائلة لكي يلقى القنبلة تلو الأخري و يحدث القدر الذى يرضيه من الضجيج ) .

5- لاريب أن الثورجي ليس دائما على خطأ ، فأي عاقل مؤمن بالثورة يدرك أن بقاء روح الثورة حية و دوام امتلاك القدرة على حشد الجماهير و إنزالها للشارع فى الوقت المناسب ، هما الضمانتين الرئيستين لنجاح الثورة ، و أننا فى مصر خصيصا لابد و أن نضغط باستمرار من أجل ضمان تنفيذ مطالبنا الثورة بسرعة و إتقان ، فنحن وافقنا على أن تدير لنا البلاد قوة غير ثورية هي الجيش كأفضل حل لإدارة الفترة الانتقالية بعد تنحي المخلوع ، إذ أنها الجهة الوحيدة فى مصر التى تمتلك القوة الكافية لممارسة العنف المقنَّـن اللازم لفرض النظام فى الدولة ( هذا هو تعريف السلطة فى علم السياسة ) .
لذا فالبديهي أن نطبق مع الجيش نظرية : " اضغط اضغط تاكل ملبن " ، فالهدف الذى نريد السلطة الحالية أن تحققه لنا ، ما علينا سوى أن نحشد عليه أكبر قدر ممكن من الناس فى مليونية جمعوية .


لكن ما أعترض عليه فى الثورجية أنهم بدأوا فى تخوين الجيش بسبب بطئه فى تحقيق المطالب ، مع أن حماقات الثورجية و تفتيتهم للشارع الثوري حوالى 3 أشهر فى نزاعات على قضايا فرعية و أمور تخالف الإجماع الوطني مثل الدستور أولا .. الخ ، هو سبب أهم فى إبطاء مسيرة الثورة لغياب الضغط الجماعي الحقيقي على الجيش طوال هذه المدة .. و رأينا جميعا مع عودة الضغط كيف عاد من جديد حصاد النتائج الثورية ...... إذن العيب فينا وليس فى الجيش .


6- الثورجي يجيد مهارة " اخسر شعبك " ، حيث تجدة ينتزع كراهية الأغلبية الصامتة من الشعب له انتزاعا ، فمثلا .. بإمكان الثورجي أن يعتصم كما يشاء من أجل الهدف الذى يشاء ولن يعترض أحد إجمالا ، لكنك تجده يتجه لإغلاق طريق حيوي أو مؤسسة مهمة أو .. أو ... ، مما يخلق له عداوة مع عامة الناس لا مبرر لها ولا طائل من ورائها ، خاصة أن هذه الأغلبية بإمكانها رفض الالتفاف حوله فى مليونية أو إسقاطه فى انتخابات قادمة .. و سيكون هو الخاسر الأكبر .
كما أن عامة الناس لا يحبون تكبر الثورجي عليهم ، واتهامه الدائم لهم بأنهم حمقى و مدفوعين و مضحوك عليهم ، ولا يتحملون بتاتا سبـَّـه بالأب و الأم و العـِــرض للمجلس العسكري بدلا من الانتقاد العاقل الموضوعي .
كما أنه ينكشف أمام الناس بسرعة كون الثورجي لاهثا وراء مصالحه الشخصية و إثبات كيانه و إرضاء غروره مهما حاول أن يخفى ذلك وراء أقنعة مثل صراخه المستمر بأنه حريص بشدة على الثورة و أنه كاد يموت من الجفاف بسبلب دموعه الغزيرة على دماء الشهداء و المصابين ... الخ .


ما يؤلمنى فعلا أن الثورجية يحرقون رصيد الثورة و شبابها لدى عامة الناس ، وهو رصيد فى أصله ليس بالكثير ، و عامة الناس - شئنا أم أبينا - هم من فى الأساس قامت بهم و من أجلهم الثورة ... و تدليلهم و الحرص عليهم وكسبهم فريضة ثورية .


7- 8 - 9 - 10 : السكيزوفرينيا ! :
لا يجد الثورجي حرجا فى أن يغمرنا بالمتناقضات فى كل فمتو ثانية ،  دون أن يهتز له جفن .. و مهما حاولت إيضاح هذا التناقض ، فلن تنجح لا بالمنطق و لا الإقناع ولا الجن الأزرق ! .


لا أدري هل هذا متعمد أم أنه نتيجة الاندفاع العاطفى و اللاثبات الشعوري الذى يتسم به أغلب الثورجية ، لكن الأمثلة خير بيان :


- الثورجي لا يجد غضاضة فى أن ينسب نفسه للديموقراطية و اعتبارها قدس الأقداس ، لكنه فى نفس الوقت لا يكف عن لعن أول تجربة ديموقراطية حقيقية حدثت فى مصر وهي الاستفتاء ، و احتقار نتيجتها و ما ترتب عليها لأنها لم تأتِ على هواه و اعتبرها ضد الثورة ......... كيف يختار لشعب عكس ما أراد كبير الثورة ؟؟


- الثورجي لا يجد تناقضا فى اتهام الإخوان و الإسلاميين بأن لديهم صفقة مع المجلس العسكري ، رغم أنهم أكثر القوى مطالبة بتسريع رحيل الجيش عن السلطة ! ، و وصف أحد مرشحيهم الرئاسيين المجلس العسكري بأن أعضاءه ذئاب  وثعالب !
لكنه فقط من لا يملك صفقة مع المجلس العسكري رغم أنه يطالبه بالبقاء فى السلطة سنوات فى فترة انتقالية طويلة حتى ينضج حزبه على " رواقة " و يحكم البلد ( بدلا من الإخوان المتوحشين )  .


- الثورجي يهتف فى المظاهرات مؤخرا : الشعب يريد إسقاط المشير .. و .. حكم العسكر عار و خيانة ، ومع ذلك يطالب بوضع مادة فى الدستور الجديد تسمح للجيش بالتدخل للحفاظ على مدنية " غالبا هنا بمعنى علمانية أو ما يتفق مع فكر الثورجي " الدولة !.


- الثورجي يسب المجلس العسكري ليل نهار ، لكن ليس عنده مانع فى أن يختار المجلس بالتعيين لجنة وضع الدستور " من النخبة " بدلا من الطريق الذى أقره الاستفتاء ( غالبا أن هذا خوفا من الإخوان المفترسين ) .


- الثورجي يتهم " الإخوان المجرمين " بالقفز على الثورة رغم أنهم شاركوا بكامل قوتهم فى أهم أيامها ( جمعة الغضب ) وما تلاه !


- الثورجي يريد حل الداخلية فورا و عزل كافة قياداتها من أجل التطهير ، ومع ذلك يطالب الداخلية بالقضاء على الانفلات الأمني و إعادة هيبة الدولة فى أسرع فرصة ! .




الأمثلة لا حصر لها .
و ختاما أدعو الله أن ينصر ثورة مصر على البلطجية و الانتهازيين و المتأمركين و المصلحجية  و الفلول و الركمجية ( راكبو الأمواج ! ) و الثورجية .


ليست هناك تعليقات: