17‏/01‏/2009

الشبهة الثالثة : عبثية الصواريخ الفلسطينية .


للأسف الشديد لقد ورد موضوع عبثية صواريخ المقاومة على ألسنة عربية كثيرة ، وللأسف الكثير منها ألسنة فلسطينية ، بل ومن منظمة التحرير الفلسطينية ، التى نشأت وترعرعت فى أحضان المقاومة منذ لحظة إنشائها .
لكى نفهم الحكمة من إطلاق حركات المقاومة الفلسطينية فى غزة - وعلى رأسها حركة حماس - صواريخها بدائية الصنع ، والتى يتم تصنيع أغلبها محليا فى ورش ومنازل غزة ، على جنوب اسرائيل ، فلابد أن نفهم أولا أن نؤكد على أن العدو الاسرائيلى لا يعترف إلا بلغة القتل والحرب والخسائر ، أما غيرها من اللغات فلا يفهمها ، والعدو الاسرائيلى لا يعرف شفقة أو رحمة مع العرب والمسلمين ، وأيضا لابد من التأكيد على أن العدو الاسرائيلى بارع فى اختلاق الحجج و الذرائع ، وبالتالى فادعاؤه أنه يقصف غزة ردا على الصواريخ ماهو إلا افتراء كاذب ، وبالتالى فمن يرغب فى التعامل مع اسرائيل ، لابد أن يسلح نفسه بأقوى ما يمكنه من سلاح ، وذلك لكى يمكنه أن يخوض حوار الدمار والقتال مع هذا الكيان الغاصب ، وثانيا فلابد أن نفهم مصطلحا رائعا وهاما ورد على لسان السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله أثناء التصدى للعدوان الاسرائيلى على لبنان 2006 ، وهذا المصطلح هو : توازن الرعب .
توازن الرعب : يعنى أن كلا من طرفى الصراع يمتلك الوسائل التى يرعب بها الطرف الآخر ، حتى لو كان هناك فارقا ضخما فى الإمكانيات وقوة النيران بين الطرفين ، فالمهم أن كلا الطرفين يملك القدرة على إرعاب وتخويف الطرف الآخر ، وهذا ما نجح حزب الله فى فعله أثناء حرب تموز يوليو 2006 ، فرغم قيام الطائرات والمدفعية الاسرائيلية بدك الشعب اللبنانى وإرعابه وتدمير مدنه وقراه وتهجير الآلاف من سكان الجنوب اللبنانى ، فإن حزب الله نجح فى إطلاق أكثر من 4000 صاروخ قصير ومتوسط المدى ، على شمال اسرائيل ، وهذه الصواريخ رغم أنها ليست شديدة التدمير ، وأغبها مطور محليا ، ولم تقتل سوى 50 مغتصبا صهيونيا فى مدن شمال اسرائيل ( فى مقابل 1200 شهيدا لبنانيا جراء القصف الاسرائيلى ) إلا أن نجاح هذه الصواريخ لا يعود إلى عدد القتلى نتيجة إطلاقها ، وإنما يعود لأسباب أخرى : فمثلانجد أن أكثر من ثلث سكان اسرائيل والذين وقعوا فى مدى هذه الصواريخ ، عاشوا فى رعب شديد طوال مدة الحرب ، وقضوا معظم وقتها فى الملاجئ الحصينة تحت الأرض أو قربها ، مما تسبب فى شلل شبه كامل فى سير الحياة فى هذه المناطق ، مما كبد اقتصاد اسرائيل مليارات الدولارات من الخسائر ، هذا بجانب الضغط الشديد على جبهتها الداخلية التى لن تتحمل هذا القدر من الرعب المتواصل - وانتو عارفين اليهود وشجاعتهم الرهييييييييبة ! - . كما مثلت هذه الصواريخ ورقة تحد ٍ رهيبة ، عندما هدد حزب الله على لسان أمينه العام بقصف تل أبيب عاصمة اسرائيل إذا ضربت اسرائيل قلب بيروت العاصمة اللبنانية ، أى أن هذه الصواريخ التى لا تمثل واحد على مائة من قوة نيران اسرائيل ، نجحت فى خلق توازنا استراتيجيا مع اسرائيل ، ومثلت ورقة ضغط رهيبة على اسرائيل حكومة وشعبا .
وهذا ما استوعبته فصائل المقاومة فى غزة الباسلة ، فعملت طوال فترة الحصار الخانق على تطوير قدراتها الصاروخية ، وزيادة مداها وقوة نيرانها ، وفاجأتنا جميعا بأنها وضعت أكثر من مليون اسرائيليا تحت مرمى نيرانها ، حيث وصل مداها إلى أكثر من 45 كلم من قطاع غزة ، وباتت على مسافة 20 كلم من عاصمة الكيان الغاصب تل أبيب .
وهذه الصواريخ رغم بساطتها وضعف نيرانها مقارنة بقدرات اسرائيل المدمرة ، فإنها بتوفيق الله عندما تصيب أهدافا هامة ، فإنها تسبب خسائر ضخمة ماديا ومعنويا للكيان الصهيونى ، مثل الحريق الذى اندلع فى واحد من أكبر مصانع الكيماويات فى اسرائيل فى مدينة أسدود 40 كلم من غزة ( من أكبر موانئ اسرائيل والتى ضربتها المقاومة لأول مرة خلال عدوان غزة 2009 ) ، بفعل أحد صواريخ غراد ( كما فى الصورة ) .
وأهم ما فعلته هذه الصواريخ هو الرعب الذى أحدثته فى صفوف أكثر من مليون اسرائيليا ، خاصة أنها ضربت لأول مرة مدن كبيرة مثل بئر السبع فى صحراء النقب ، ومدينتى عسقلان وأشدود ، وبعض القواعد الجوية الاسرائيلية الرئيسية ، وكثير من مغتصبات العدو ومدنه حول قطاع غزة ، ورغم العمليات البرية الاسرائيلية فى قطاع غزة ، فإن الصواريخ تواصلت بنفس الوتيرة وبنفس القوة ، كأنها لم تتأثر على الإطلاق بوجود دبابات العدو وطائراته ! ، وهذه الصواريخ الآن هى ورقة الضغط الرئيسية للمقاومة على اسرائيل ، فاسرائيل دولة هشة جدا ، ولن يتحمل سكانها أبدا سقوط هذه الصواريخ عليهم ، رغم أنها لا توازى فى قوتها واحد على الألف من قوة ما أطلقته اسرائيل على غزة وأهلها ، وهذا هو الفارق بين من يريد الجهاد نصر ٌ أو استشهاد ، وبين من يتمسك بالدنيا كمنتهى أمله .
إن الشعب الفلسطينى المظلوم من حقه أن يدافع عن نفسه بكافة الوسائل ، وهذه الصواريخ هى قمة ما استطاع الوصول له ، فى ظل غياب الدعم العسكرى العربى عنه ( ولاحول ولا قوة إلا بالله ) .
الخلاصة : إن هذه الصواريخ أحدثت ولله الحمد توازنا للرعب ( حتى لو كان بالبلدى كده على قده ) مع الكيان الصهيونى ، ويكفى أثرها النفسى على الاسرائيليين المذعورين والمصابين بالهلع ، والذين عجز جيشهم الرابع على العالم عن حمايتهم منها ، وأيضا تمثل هذه الصواريخ فخرا للشعب الفلسطينى ، لأن أغلبها مصنوع ومطور محليا تحت النار والحصار ورغم ضعف الإمكانيات والقدرات ، ندعو الله للمقاومة بالتوفيق فى زيادة قوة نيران هذه الصواريخ ومداها لكى تصيب كامل الأراضى المحتلة وتعكر حياة اليهود الملاعين .
وربنا ينصر المقاومة فى الدفاع عن غزة ، وأختم بقول الله تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم . ولنا تكملة بإذن الله .

ليست هناك تعليقات: