29‏/12‏/2011

العودة إلى الأندلس ..

جادكَ الغيثُ إذا الغيثُ همي ـــــــ يا زمانَ الوصلِ فى الأندلسِ
قد مضينا نحملُ الخيرَ و ما ـــــــ نامتِ الأعينُ عندَ الغــَــلـَــسِ
إننا مجدٌ و عزٌّ إنـــــــَّــــــنا ــــــــ عائدون أمتى لا تيـــــــأسى !
              عائدون أمتى لا تيأسى

*********************************************
بينما نحن فى خضم الربيع العربي الملتهب ، تمر علينا الذكري الـ 520 للقضاء التام على الدولة الإسلامية فى الأندلس ... قد يبدو للبعض أن القضيتين منفصلتين  ، لكن العكس هو الصحيح ... إنهما نفس القضية مع اختلاف الوجوه لا أكثر .

إن جيلنا الآن يدفع ثمن الـ 500 عام من الخروج على صراط الإسلام المستقيمة والضياع و الاستبداد و التخلف الحضاري التى أورثتنا إياها الأجيال الماضية ، حتى أشعر كأني أريد الوقوف أمام مجري الزمن ثم أقتطع منه على الأقل 600 عام ، ثم أصل الباقى بالمستقبل القادم بعد الربيع العربي العظيم بإذن الله ، فكأن هذه القرون البائسة لم توجد أصلا ! .

و قصة الأندلس تلخيص لتاريخ الأمة الإسلامية كله ، فى البداية فتح عظيم ، و رغم سنوات عجاف تبعته من الاضطرابات و الفوضى لبعدها عن مركز الخلافة فى دمشق ، فقد نجح عبد الرحمن الداخل الأموي الهارب من بطش الثورة العباسية بخصومها فى المشرق ، فى أن يوحد الأندلس الإسلامية تحت رايته و أن يقمع المتمردين مؤسسا دولة قوية فى الأندلس حكمتها سلالته قرنين و نصف ، تطورت فيهما  حضارة الأندلس حتى أصبحت جنة الدنيا و موطن الإيمان و العمران ، ثم ضعف و فساد و تمزق و هجمات صليبية لا ترحم و حكام فقدوا كل معنى للمروءة و الكرامة و الدين ، فانهيار و تفتت و احتلال و مذابح ، قم زادتنا الأندلس من الشعر بيتا .. فجاء قضاء مبرم على الوجود الإسلامي فيها ، و بكي حكامها الأواخر كالنساء ملكا لم يحفظوه و أسلافهم حفظ الرجال .

نعم كانت هناك تجاوزات فى قمة ربيع الأندلس ، و لم يكن التطبيق الإسلامي مثاليا ، لكن كانت كفة الروعة و الحضارة و الروح الإسلامية هي الغالبة ، خاصة فى عهد عبد الرحمن الناصر فى النصف الأول من القرن الرابع الهجري ، و الذى أصبحت فى عهده قرطبة - عاصمة دولة الأندلس آنذاك -  جوهرة الدنيا فعلا ، و كانت وفود العالم الإسلامي و أوروبا تنهال عليها طلبا للعلم و السياحة و الصداقة .. الخ .

لقد جمعت الأندلس فى أقصى منحناها بين ما اعتبره الباقون تناقضا لا يستقيم ، فأي بقعة زمانية أو مكانية غيرها اجتمع فيها طلب العلم مع الجهاد فى سبيل الله مع البنيان و العمران مع الاستمتاع بمباهج الدنيا من طعام و شراب و سكني و جوار ٍ و موسيقى .. الخ !
*****************************************
 يا زمانا .. هل نسيت َ المسلما ؟
نورَ هذا الكونِ روّاءَ الظمــــا
أدهُرا كنــَّـا شموسا أنـجـُــما
و مضينا كي نغيثَ الأممــا
نحمل الخيرَ و نمضى قـُـدُما
حـُلـَــلَ النورِ بلادي فاكتسي .. حلل النورِ بلادي فاكتسي
جادك الغيثُ إذا الغيثُ همي .. يا زمانَ الوصلِ بالأندلسِ
*****************************************

لقد ضمـَّـت قرطبة بين جنباتها العالم و الطبيب و المجاهد و الشاعر و البناء و الفنان و الأمير و المكافح و الإمام و القس و الحبر و العابث و حتى السكير و الراقص !! .. فسيفساء بشرية رسمت شكلا مميزا من الحضارة الإسلامية المتسامحة مع مكوناتها ، الشديدة على عدوها ، الجادة فى نهارها حتى تظن أنها لا تعرف الهزل ، و المرحة فى ليلها حتى تظنها نسيت أن فى الدنيا جدا و اجتهادا !

كان من يحكمون الأندلس مستبدون و يورثون الحكم لأبنائهم (  وهذا كان من أهم أسباب الضعف فيها ) ، لكن كان لهم طموح فى تسيُّد الدنيا ومباهاة المعمورة فى كل ما يفخر به الإنسان .

علينا أن نعود للأندلس من جديد ، أن نستلهم طاقتها الحضارية فى بعثنا المعاصر بعد الربيع العربي المجيد ، و ستكون أندلسنا الجديدة أقوي و أبهي ضياء و أرسي دعائما و هي ملتحفة بالديموقراطية التى ستعيد فريضة الشوري الغائبة إلى النور ، و مستفيدة مما أبدعه العقل الإنساني الحديث من قدرات على التواصل و التكامل الإنساني .

و ليبنى كل منا أندلسه داخله .. !

******************************************
أمتى صبرا فإنا لن نغيبْ
لم يعد يطربنا ذاك النحيبْ
فالحبيبُ الحرُّ يسعى للحبيبْ
فجرنا يا أمتى صار قريبْ
آن أن نـُرجِـعَ ذا المجدَ السليبْ
عائدون أمتى لا تيأسي .. عائدون أمتى لا تيأسى
جادك الغيثٌ إذا الغيثُ همي .. يا زمانَ الوصلِ بالأندلسِ
******************************************







ليست هناك تعليقات: